جمهور الأهلي المصري

“زي الهوا..الساير وخيال الطيف” هي جملة يتذكرها الكثير من مواليد السبعينيات والثمانينات في مصر وبضعة بلاد عربية حيث كانت افتتاحية لمسلسل اللقاء الثاني على التلفزيون المصري..وبالطبع فنحن العرب نحمل دائماً الكثير من النوستالجيا والعاطفة تجاه ذكريات الماضي..كان يشدو بها علي الحجار وحنان ماضي وهم يقولون .. “عمر الوشوش بعد السنين ما بتبقى بعد السنين نفس الوشوش..دي بتبقى شىء ثاني”.

هذه الافتتاحية تتعلق بالماضي البعيد والماضي القريب..ذلك الصيف من عام 1996 حينما كنت أنا الصبي الذي يتعرف على الرياضة ويملك حبها وقدراتها الكبيرة في إخراج الطاقات الانسانية الكامنة مع جدي الأكبر وهو من كان مشجعاً عتيداً للأهلي المصري وكان يسمعني كصديق ونتداول معاً بعض الأمور الكروية..عن جدول الترتيب وكم يبتعد الفريق الاحمر عن منافسيه وكم حقق من تقدم في الفترة الأخيرة.

دموع أحمد شوبير والرقصة الأخيرة للعاشق القديم

لكن كانت تلك آخر مباراة أشاهدها معه مباشرةً وكانت بين الأهلي والمنصورة والتي توج بها الأهلي ببطولة كأس مصر..وقتها رقص الغاني أحمد فيليكس رقصته الشهيرة وقام جدي بتقليده وشاركته ذلك..وجلست أمام التلفزيون بعد انتهاء المباراة لأجد حارس الفريق الاهلاوي يبكي وهو يقول جملة مقتضبة جداً اختصرت كل شىء “أنا بحب النادي الأهلي بشكل لا تتخيله”.

بعد أكثر من 20 عاماً التقيت بأحمد شوبير وهو واحد من كبار الإعلاميين في العقد الأخير في مصر وحينها كان منتخب مصر قد تأهل لنهائيات كأس العالم لأول مرة منذ العام 1990..وأخبرني حينما فاجئته بسؤالي عن أسعد لحظة له أنها مباراة الجزائر في 1989 والتي نجح فيها المنتخب المصري في الصعود للمونديال..نعم، لم يكن هناك الوقت الكافي للاستطراد في ذلك..لكني تذكرت لقطته وقت إعلان اعتزاله في 1990 وكانت في مخيلتي..في مكان ما من دفاتر عقلي..حتى ذكرني بها أحد الأصدقاء..وبالتأكيد لن ينساها شوبير وأعتقد أن سعادته حينها بمنتخب مصر طغت على ذكرياته القديمة داخل البيت الكبير.

مؤمن زكريا وأيمن أشرف وعلي ربيعة و رامي ربيعة - صورة أرشيفية

مؤمن زكريا وأيمن أشرف وعلي ربيعة و رامي ربيعة – صورة أرشيفية

واليوم احتفل النادي الأهلي بالبطولة رقم 41 بالدوري المصري ولكنه كان احتفالاً بترك بعض المرارة في الفم لأنه أُقيم في قندق فخم ورائع وكان مزيناً بالألوان البراقة والأضواء وشاشات العرض الحديثة وبالنجوم الكبار السابقين للعملاق المصري إضافةً إلى لاعبي الفريق الذين حققوا لقب الموسم الفائت بمسيرة تشبه الإعجاز..وبصعوبة لم يسبق وأن رآها منذ عشرات السنوات.

لكن تلك المرارة تتعلق بغياب الجمهور وبغياب العُشب الأخضر عن الاحتفال..فأي احتفال رياضي لا يصدج به صوت الجماهير يجعل تلك العاطفة الهائلة القديمة أقل توهجاً وتأججاً داخل النفس ولكن كان وجود نجم الثمانينيات الكبير مصطفى عبده وهو يصافح رئيس النادي وأسطورته محمد الخطيب هي أهم اللقطات وأكثر قوة في هذا الاحتفال بعد موسم صعب على الكرة المصرية والنادي الاهلي الذي مر بصدامات وأزمات كبيرة تغلب عليها بصبر وقوة تحمل وإيمان بالنفس رغم تقهقره الواضح في النصف الأول منه.

غابت الرقصة في هذه المرة لتُشاهد الجماهير لقطات فرحتها ممثلة في عيون اللاعبين وابتساماتهم العريضة رغم مرور وقتٍ طويل على نهاية الموسم الماضي!، ولكن في الأخير احتفظ الأهلي بالدرع المُفضل له وببطولة كان بها كثير من المشقة وقليل من الجماهير.

في الأخير سعدت الجماهير كثيراً بهذه المشاهد ولو من بعيد..سعدت وكأنها قريبة من اللاعبين وكأنها تتخيل حبها للنادي الأهلي الذي مازال يحبه لاعبيه السابقين بشكلٍ لا يُمكن تخيله.