فيليبو إنزاجي

ليس من السهل الحكم على مهاجم قدم الكثير للعبة كرة القدم، وحقق العديد من الألقاب بعد سنوات من اعتزاله اللعب بشكل شخصي، لذلك كان لا بد من الاستماع للكثير من آراء الأصدقاء عبر صفحتي العامة في فيس بوك قبل الخوض في هذه المسألة، على أمل أن نصل بها إلى تكوين فكرة عامة عن هذا اللاعب.

إنزاجي ليس مهاجم مهاري، لا يملك ميزة المراوغة، وغير فعال بشكل واضح خارج منطقة الجزاء، كما أن أرقامه ومعدل تسجيله للأهداف ليس مرتفع حيث تخطى حاجز 20 هدف في الدوري الإيطالي مرة واحدة فقط خلال مسيرته وحدث ذلك موسم 96\1997 بقميص أتلانتا، رغم ذلك يصنف في نظر الكثيرين من بين أفضل المهاجمين في تاريخ الكرة الإيطالية.

والسؤال هنا .. هل معدله التهديفي المنخفض يعود إلى قوة المدافعين؟

معدل إنزاجي المنخفض تهديفياً يرى الكثيرون أنه مبرر بسبب قوة وتميز المدافعين في إيطاليا خلال تلك الحقبة، وشخصياً أختلف مع هذا التوجه في نقطتين، الأولى أن تميز الكرة الإيطالية كان في المنظومة وليس الأفراد بشكل حقيقي، وبمعنى أصح، المدافعين العظماء تواجدوا في عدد قليل ومحدود من الأندية وليس في جميع الأندية، لذلك الأفضل القول بأن الدوري الإيطالي كانت فلسفته دفاعية في ذلك الوقت مع ميل المدربين لإتباع نهج تكتيكي صارم لحماية المرمى.

 أما الاختلاف الآخر فهو في تبرير رقم إنزاجي الشحيح تهديفياً في بعض المواسم بحجة قوة دفاعات الأندية الإيطالية في تلك الحقبة من الزمن، هذه الحجة لن تكون مقنعة لأنه حينما كان فيليبو يسجل 11 هدف في الدوري موسم 2000\2001 فإن القادم من أوكرانيا أندريه شيفشينكو كان يسجل 24 هدفاً، وهيرنان كريسبو سجل 26 هدف، لماذا لم تنطبق هنا المعادلة على المهاجم الأوكراني أو الأرجنتيني رغم أنهما أتيا من بلدان أخرى؟

هذا فقط مثال للتوضيح، لأن القائمة تطول وتطول، فخلال موسم 97\1998 سجل الألماني بيرهوف 27 هدفاً في الدوري الإيطالي، فيما سجل ديفيد تريزيجيه 24 هدفاً موسم 01\2002 ، ثم سجل كريستيان فييري في الموسم التالي 24 هدف أيضاً… باختصار، دائماً كان هناك مهاجم يتخطى حاجز 22 هدف على الأقل في كل موسم وإنزاجي يكون بعيد عنه في الترتيب.

إذا كان الأمر كذلك .. لماذا يراه الكثيرون مهاجم عظيم أو أسطوري؟

في الحقيقة هناك عدة أوجه تقف وراء هذا التصور أهمها تواجده في العصر الذهبي الثاني لنادي ميلان في العقد الماضي والذي وصل خلاله الفريق لنهائي دوري أبطال أوروبا 3 مرات، مع تحقيق اللقب في مناسبتين.

أما النقطة الأخرى التي تعلق في أذهان الكثيرين هو عدده الهائل في الأهداف بالمسابقات الأوروبية المختلفة في عالم الأندية، والذي وصل إلى 70 هدفاً مما وضعه في إحدى الفترات على قمة أفضل هدافي أوروبا، قبل أن يتراجع للمركز الرابع لصالح رؤول جونزاليس، ليونيل ميسي، وكريستيانو رونالدو.

لا ننسى أن إنزاجي سجل 156 هدفاً في الدوري الإيطالي خلال مشواره، صحيح أن نسبة تسجيله للأهداف متدنية وتصل إلى 0.42 فقط في المباراة الواحدة، لكنه يبقى ضمن دائرة أعظم 20 هداف في تاريخ الكالتشيو.

فوق هذا كله كان لإنزاجي لحظات لا تنسى في المباريات الهامة، ليس جميع المباريات بل في بعضها، خصوصاً موسم 06\2007 حينما سجل هدف الحسم في شباك بايرن ميونخ في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، أتبعه بتسجيل هدفين في شباك ليفربول في نهائي المسابقة.

إنزاجي بالطبع غاب عن التسجيل في العديد من المباريات الهامة والصعبة وهذا ناجم من معدله التهديفي المنخفض من الأساس، لكن لحظاته العظيمة ستبقى عالقة في الأذهان إلى الأبد، لا ننسى تسجيله 12 هدف في دوري الأبطال موسم 02\2003 وهو رقم قياسي حينها ليساهم في تأهل ميلان إلى نهائي المسابقة ثم تحقيق اللقب.

رغم كل ذلك .. هناك نقاط هامة تقف ضد إنزاجي

إن أردنا القول بأن إنزاجي مهاجم أسطوري فيجب حينها أن نلتفت لأرقامه بقميص منتخب إيطاليا، الثعلب سجل 25 هدفاً فقط في 57 مباراة خاضها بقميص بلاده، كما أن أهدافه في البطولات الرسمية مثل كأس أمم أوروبا وكأس العالم لم تتجاوز 3 أهداف فقط، وهو رقم شحيح جداً جداً بالنسبة لمهاجم يصنف من ضمن العظماء في بلاده.

طبعاً سجله الدولي يضاف لمحصلته التهديفية الشحيحة في الدوري الإيطالي خلال العديد من المواسم وعدم قدرته على تجاوز حاجز 20 هدف سوى في موسم وحيد، بالإضافة لتفوق العديد من أبناء جيله عليه تهديفياً سواء في الدوري الإيطالي أو خارجه.

هل وقوعه بمصيدة التسلل كثيراً يحسب ضده أيضاً؟

قصة وقوع إنزاجي كثيراً في مصيدة التسلل أتوقع أنها مختلفة عن تصورنا الحالي، المشكلة ليست في عدم فهم فيليبو لقانون التسلل، أو لغبائه الكروي كما يعتقد البعض، بل يعود لذكائه، نعم هو الأمر ذكاء ومكر!

فيليبو كما أسلفنا الذكر مهاجم ليس سريع، ولا مهاري، ولا يملك تسديدات قوية من خارج المنطقة، ولا حتى قوي بدنياً في الالتحامات، إذاً كيف أصبح مهاجم رئيسي في ميلان ويوفنتوس؟ ببساطة مكره وقدرته على التمركز في أماكن مناسبة لخطف الأهداف.

إنزاجي كان يعتمد على الوقوع بأكبر قدر ممكن من حالات التسلل حتى يستفيد من أحد الخطئين، خطأ الحكم في تقدير ولو حالة واحدة مما يمكنه من خطف هدف هام لفريقه، أو خطأ أحد المدافعين في عدم التمركز والوقف على نفس الخط مع زملائه مما يمكنه من كسر مصيدة التسلل وتسجيل الهدف.

هو ذكاء وحس تهديفي واضح سواء اتفقت مع الأسلوب أو اختلفت معه.

التصور النهائي .. إنزاجي مهاجم مميز في زمنه لكن لا يصنف ضمن خانة الأساطير

إنزاجي كما أسلفنا الذكر يملك لحظات عظيمة في مشواره، ساهم بشكل مباشر في تحقيق لقبين لدوري أبطال أوروبا، يملك دهاء ومكر كروي في تحويل قدراته المحدودة إلى أهداف حاسمة.

الأهم من هذا كله بأن فيليبو يملك القدرة على الاستمرارية بثبات على نفس المستوى، فحينما كان يتعرض لإصابات حادة في الركبة أثرت على مستواه الفني كان دائماً يعود إلى سابق عهده من ناحية التسجيل، صحيح لم يسجل عدد كبير من الأهداف لكن هذه الاستمرارية والثبات تخلق ارتياح لدى الإدارة الفنية للفريق لأنهم يكونوا على علم مسبق بعدد الأهداف التي سيسجلها في الموسم مما يمكنهم بشكل أفضل من بناء الفريق.

هذه الميزة لم تتواجد في بعض المهاجمين من أمثال كريسبو أو حتى شيفشينكو الذي انهار بشكل حاد فور رحيله عن ميلان.

لكن بعيداً عن ذلك تبقى الأرقام هامة جداً جداً لتقييم المهاجم ولا يجوز أن نسقطها من حساباتنا، فكلما كان معدل المهاجم تهديفياً أعلى كلما حسم انتصارات أكثر لفريقه خصوصاً إن كان مهاجم تقليدي جداً وليس له دور فعال بشكل واضح خارج منطقة الجزاء، أي أن إنزاجي إن لم يسجل الأهداف ربما يضر بفريقه خلال اللقاء بسبب كسله وعدم رغبته في التحرك كثيراً خارج المنطقة.

لذلك نستطيع القول أن فيليبو مهاجم مميز، قدم لمحات لن تنسى وسجل أهداف حاسمة في وقت صعب، لكن بالمجمل العام تبقى مسيرته المهنية أقل من أن نقارنها بأبناء جيله، أو بأساطير الكرة الإيطالية والعالمية، لغة الأرقام تلعب دائماً دوراً حاسماً في التعرف على جودة المهاجمين، بالإضافة طبعاً لافتقاره إلى بعض المهارات الهامة في لعبة كرة القدم بالنسبة للمهاجمين.