فيليب لام

لو طلب مني تصنيف مفهوم القائد في غرف خلع الملابس، القائد الحقيقي وليس المزيف أو الذي يضر بفريقه، فربما سأتجه لثلاث تصنيفات، نجم محبوب بشخصية قوية، قائد في وقت الصعاب، وقائد ورجل يعتمد عليه من النادي، بل يكون رجل النجاح لمؤسسته.

التصنيف لا يعتمد على دراسة واختبارات طويلة، هي رؤيا شخصية فقط، الكثير من النجوم في عالم كرة القدم من أصحاب الشخصية القوية والذين يلتف حولهم اللاعبين لا يكونوا قادة حقيقيين، وبمعنى أصح، يكون التفاف اللاعبين حولهم بسبب امتلاكهم المهارة وليس بسبب صفاتهم القيادية.

القائد الحقيقي مختلف، هو الرجل الذي تجده صلباً في وقت الصعاب، يوحد المجموعة والفريق قدر استطاعته، يلملم الجراح في الوقت العصيب ويدفع اللاعبين للقتال في وقت التكاسل، لكن ليس شرطاً أن يفي بكل ذلك حينما لا يكون مرتاح داخل الفريق، أو على وفاق مع إدارة النادي أو مختلف مع توجه المدرب، وكثيرون هم القادة في عالم كرة القدم الذين يتصفون بذلك.

بالمقابل فإن القائد الذي يملك القدرة على تحقيق كل ما سبق من تحمل المسؤولية وتوحيد الصف ودفع الفريق للقتال، وفوق هذا كله يكون وفياً للمؤسسة التي يعمل بها في جميع الأوقات، ويستمر في أداء نفس الواجبات حتى لو اختلف مع المدرب، فهو عملة نادرة في عالم كرة القدم.

لا شك بأن فيليب لام قائد بايرن ميونخ السابق هو القائد والرجل الذي يعتمد عليه والذي أقصده هنا في الصنف الثالث، لام امتلك صفات قيادية قل نظيرها رغم أنه ليس مهاجم أو لاعب خط وسط، مع عدم امتلاكه قوة جسمانية هائلة، ورغم أنه ليس لاعب حماسي جداً على الطريقة الإيطالية، لكن هدوئه وقدرته على توحيد الصف وشحذ الهمم بعقلانية كان مؤثراً للغاية في منتخب ألمانيا والبايرن بالسنوات الأخيرة.

الأهم في شخصية لام كقائد أنه كان رجل يعتمد عليه لضبط الأجواء حينما تكاد تنفلت من بين يدي المدرب، تجربة بيب جوارديولا أثبتت ذلك، فحينما كان معظم لاعبي بايرن ميونخ وجميع وسائل الإعلام تعارض أفكار المدرب الألماني، كان لام مستعداً لحملها على أكتافه وإقناع زملائه بها، بل والقتال من أجلها.

بيب جوارديولا وفيليب لام

بيب جوارديولا وفيليب لام

لام رجل ألماني والعقلية الألمانية أكثر واقعية ومنطقية من فلسفة التيكي تاكا التي أراد جوارديولا تطبيقها في الملعب، ولا يعقل أن تتغير فلسفة فيليب في ليلة وضحاها، وهو ما يدفعنا للتساؤل، لماذا قدم كل هذا المجهود كقائد حتى ينجح أفكار المدرب ما دام بالأساس يختلف مع هذه الفلسفة؟

ببساطة لأنه يريد أن يكون فريقه الأفضل، وأن تكون مؤسسته الأفضل، فربما لا يكون مقتنعاً بأفكار بيب 100 % لكن ما هو حقيقي بالنسبة له أن الإسباني سيبقى مدربه لمدة 3 مواسم أو أكثر، وفي هذه الأثناء لا بد أن يحقق بايرن ميونخ النجاح، وهو ما سعى له لام.

وفي الحقيقة لام لم يجعل اللاعبين ينصهرون مع أفكار المدرب قدر الإمكان، بل جعل المدرب ينصهر بالثقافة الألمانية وبالفريق أيضاً ويتأقلم مع أجوائه، هل تصدق ذلك؟ نستطيع القول أنه لا يوجد لاعب يكون له تأثير على المدرب في هذا الجانب بعالم كرة القدم، لكن مع فيليب كل شيء يبدو ممكناً.

بيب جوارديولا قال في فبراير حينما سمع خبر اعتزاله “إنه شخص مميز في حياتي، ليس من السهل على إبن كتالونيا أن يأتي لألمانيا ويتعلم لغتها وينسجم في ثقافتها، لكن لام ساعدني على تخطي ذلك داخل وخارج الملعب. إنه أثمن هدية يمكن أن تقدم لأي مدرب”.

من الصعب علي تقبل البطولات الأوروبية في الموسم المقبل بدون شخص مثل فيليب لام، قائد حقيقي ورجل مؤسسة وفي تحت جميع الظروف والحالات، يقدم مصلحة المجموعة على أفكاره الشخصية ومعتقداته، من الصعب رؤية بايرن ميونخ بدون نجمه الزئبقي والجوكر، لكن نحن مجبرون على ذلك في عالم كرة القدم باستمرار.