المجذفون عكس التيار

رائد سمرين 14:17 20/11/2016
  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • “لم تنم العاصمة سانتياغو حتى فجر اليوم التالي ، المنتخب الوطني أصبح بطلاً للقارة اللاتينية … الناس في

    الشوارع يتلفحون بالاعلام ، وصور لاعبي الفريق ملأت الجدران..هذا انجاز تاريخي وغير مسبوق بمسيرة تشيلي في كوبا اميركا.

    يعود خورخي الى الفندق الذي يقيم فيه لاعبو المنتخب التشيلي ، يخبرهم بأنهم كانوا رجالاً هذه الليلة .. وأنه

    بات بإمكانهم العودة للاستمتاع بحياتهم الخاصة بعيداً عن رتابة الالتزام بالتدريبات ، بلا مواقيت للنوم

    والاستيقاظ وغيرها من التفاصيل التي رافقتهم شهراً كاملاً .

    يركب سيارته ويذهب لتناول العشاء مع الاقارب.. قليل من البيتزا والنبيذ ، يقضي ليلةً كسائر الليالي ..

    ويتحدث في نهايتها عن سعادته الغامرة والتي لا توصف بالمستوى الذي قدمه لاعب الليبرو في فريقه ليلتها ،

    كما اخبرهم كيف ان فريقه البطل استطاع ان يحد من خطورة ميسي ، لافيتزي و هيجوين ! ثم تبع ذلك

    بالقول : هذا هو الانتصار الحقيقي.”

    معايير الفشل والنجاح حُطِّّمت كليّا مع دخول التجار أصحاب البالطو والسيجار عالم كرة القدم ، وانتقلت

    تدريجيا هذه الثقافة الى الجماهير .. مؤسف حقا أن يقود منظومة كرة القدم من لم يدرك جوهر تلك اللعبة،

    والأدهى ان يقوم بفرض معاييره الخاصة عليها ، وان يصبغها تدريجيا بصبغته التجارية الاقتصادية .. لا

    للخسارة والغاية ستبرر الوسيلة لنيل ذلك .

    يرى البعض أن تتلقّى هدفا حاسما في الدقيقة الاخيرة من مباراة نهائية هو امرٌ كافٍ بأن يحكم عليك وعلى

    فريقك الخاسر بالفشل ، لا يهم كيف وصلت للذلك الوقت من تلك المباراة..الانجاز والمتعة تتلخص في تحقيق

    الانتصار وليس بكيفيته.

    وقد يرى البعض الآخر أن المتعة في كرة القدم كالسعادة ، تختلفان بالجوهر وتتفقان بأنهما الطريق وليستا

    الغاية .. إنها تماما كالجدوى من الأشياء تأثيرها تراكمي بعيد المدى. ولو أصبح الإنجاز على النقيض من

    المتعة .. فان المتعة ستتقاطع معه في النهاية ، لا مفرّ من الإنجاز دائما .. أي وكأنه أصبح عبئا لا مكافئة

    في عالمٍ مواز عند أناس آخرين لكنهم يعيشون معنا على هذا الكوكب .

    علم-تشيلى-وسط-الاحتفالات

    يقول إدواردو غاليانو -صحفي وروائي اوروغوياني- :

    “تاريخ كرة القدم يمثل رحلة حزينة من المتعة الى الواجب فكلما تحولت هذه الرياضة الصناعة كان يجري

    استعباد ذلك الجمال الذي يتولد من متعة اللعب لمجرد اللعب”.

    كرة القدم عند نشوءها لم تكن تعرف تلك البطولات المنظمة ، لقد كانت تلعب وتشاهد لاجل تلك المتعة الخفية

    ، ومع دخول الاستراتيجيات وبلوغ الاعتمادية على التفاصيل التكتيكية ذروتها وتزامن ذلك مع غرق كرة القدم

    تدريجيا بين امواج التجار ، كان لا بد من وجود مركبٍ يقوده قبطانمجذوب.

    اولئك المجاذيب المجانين كان لهم الفضل الاكبر على كرة القدم العالمية هذه الايام ، فهم منيجعلون ذلك

    المتنفس الوحيد متاحا لمن يهوون كرة القدم الحقيقية بأفكارهم لا بأفكار الباوند واليورو والدولار .

    يرى هؤلاء المجاذيب ان الطريق الى الهدف أطول -ولو زمنيّ ا-ًمن الهدف نفسه ، وانك لو صعدت الى

    المنصة بعد مباراة نهائية بذلت الغالي و النفيس فيها واستبسلت مدافعا امام مرماك فإن على أي حال ستفقد تلك البهجة حال نزولك من ذلك الارتفاع البسيط .. اما متعة اللعب ستستمر معك تسعين دقيقة ، انها مدرسة فكرية مختلفة تماما .

    “لا يكذب خورخي ولا يقول ان الانتصار ليس مهما ، ولكنه لا يراه كل شيء على الاقل. عقيدته الاولى هي

    تحقيق المتعة ،اللعب الجماعي ، الضغط وحيازة الكرة اكبر قدر مستطاع ودائما ما تراه يردد (أنا لا أسمع ولا

    أتبع) .. هذا هو خورخي وهكذا يكون المجاذيب .ترك تدريب المنتخب التشيلي وأخذ ينتظر ان يكتب له

    القدر تحدٍّ جديد ، إنه مؤمن بأن تقديرعمله لا يكون بان يوقع لناد عظيم ذو تاريخ حافل ، هذه الامور قد

    تحصل ولكنها ليست هدفا مباشراً فهذه الاندية ستسعى حتما لحوائجها الخاصة بعيداً عن كرة القدم .. بعيدا عن رسالتي الحقيقية .

    Cvh-ffaWgAEtSXJ

    الوجهة الان الى الدوري الإسباني -اقوى دوري في العالم- تحديدا الى منطقة اندلسيا والنادي المسيطر هناك .

    نادي إشبيلية … عليك ان تركز وان تحدد وجهتك بعناية ستدرب نادٍ لم تفارق بطولة الدوري الاوروبي

    خزائنه لثلاث مواسم متتالية ، إنهم يملكون مديراً رياضيا عبقريا يدعى رامون رودريغز مونتشي . التوتر

    يملأ وجه خورخي ولكنه يتمالك نفسه ويجيب: عزيزي خوانما ، لا يهمني ذلك اذا لم تجري الامور كما اريدها

    ان تكون .. سأغادر ، هكذا بكل بساطة ، وبالمناسبة سمعت ان المعلم مارسيلو بييلسا فعل ذلك مع ادارة نادي لاتسيو عصر هذا اليوم .

    تكتب صحف اليوم انه وبشكل رسمي فقد تعاقد اشبيلية مع المدرب الارجنتيني القدير خورخي سامباولي وبعد

    ان تم تقديمه لوسائل الاعلام كمدرب بشكل رسمي ، انهالت عليه العروض ليقيم لقاءات صحفية مع صحافيين اسبان .. وافق خورخي اخيراً على محاورة احدهم .

    وصل خورخي متأخراً بعض الشيء عن موعد المقابلة المحدد مسبقا ، لكن الاسبان معتادون على ذلك .

    استقبله الصحفي و رحّب به وطلب منه ان يجلس كما تتم الأمور بالعادة ، رحّب به مرة أخرى و بدأ بسؤاله

    عن رايه في طبيعة اللعب هنا في الليغا .. هل تابع الليغا والكلاسيكو لما كان يعمل في تشيلي او الارجنتين؟!

    لم يفكر خورخي كثيراً ابتسم وقال: شاهدت مباريات كثيرة في الليغا الموسم المنصرم ، لكني لم أشاهد

    كرة قدم حقيقية.

    لقد جُنّ جنون الصحفي .. ماذا يقول هذا الأبله! أندية الليغا تحكم اوروبا منذ خمس سنوات على الاقل كيف

    له ان يقلل من الاسوب الذي تلعب بها انديتنا … سرعان ما يكتم ردة الفعل تلك .. يستبدلها بابتسامة

    صفراء تخفي خلفها افكاراً جهنمية شامتة سيكتبها عندما يفشل هذا المتعجرف الارجنتيني الاقرع ، لكنه يكمل

    هذا الحوار الصحافي الذي دار حوله الجدل فيما بعد.”

    هؤلاء المجذفون عكس التيار لا يبالوا لو أفنوا عمرهم بلا اي لقب ؛ إنهم وفيّون لتقاليدهم واعرافهم ، فلسفتهم والاسلوب الذي يلعبون به .. وكل هذا يصبّ في بحيرة المتعة ، المتعة المرجوة من اللعبة بالاصل .

    لا يتبعهم الكثير ، فحالة الاستقطاب التي خلقها الاعلام كانت كفيلة بجعل الانتصار ولا شيءغيره المقصد

    والهدف من متابعة اللعبة لدى الكثير .. ولسان حال هؤلاء المجاذيب : إن كانهذا ما تمليه عليكم عقولكم ..

    فلقد كفرنا بالعقل.