بول برايتنر .. جيفارا كرة القدم

محمد السعدي 15:51 21/10/2017
  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • بول برايتنر

    إستضافت ألمانيا الغربية كأس العالم 1974 ووصل منتخبها إلى المباراة النهائية ضد جارتها وعدوتها اللدودة هولندا التي أبهرت العالم بكرتها الشاملة .مباراة الفن الرفيع ضد الإصرار ومواجهة إثنين من الأساطير الهولندي الطائر كرويف يواجه القيصر بيكنباور على ملعب ميونخ الأولمبي ،وكان الهولنديون يمنون النفس بالتتويج على أرض الجارة التي أذاقتهم الويلات في الحرب العالمية الثانية .

    تقدم الهولنديون بهدف ليوهان نيسكينز في الدقيقة 2 من ركلة جزاء ،وفي الدقيقة 23 تعرض بيرند هولزينبين لعرقلة في منطقة جزاء هولندا منح بعدها الحكم جاك تايلور ركلة جزاء لصالح منتخب ألمانيا تقدم لتسديدها شاب أشعث الشعر طويل الشاربين يدعى بول برايتنر أسكن الكرة بكل ثقة في شباك هولندا مخالفاً تعليمات المدرب الذي أسند المهة لغيرد مولر  .إحتفل برايتنر بهدفه رافعاً يديه إلى السماء  ،وإغتال بعده غيرد مولر آمال هولندا بالفوز بكأس العالم بهدف قبل نهاية الشوط الأول بدقيقتين.

    ولد برايتنرعام 1951 في كولبرمور ببافاريا ،لعب أول مباراة رسمية مع بايرن ميونخ في عام 1970،وإستمر مع الفريق إلى موسم 1974 لعب خلال تلك الفترة 109 مبارة أحرزخلالها  17 هدفاً .

    تألق برايتنر فتح له أبواب المنتخب الألماني وفاز مع المانشافت ببطولة يورو 1972 و كأس العالم 1974 التي إمتلك فيها المنتخب الألماني خط دفاع حديدي بتواجد بكنباور ،بيرتي فوغتس وبرايتنر.

    إحتجاجات 1968 وأثرها على برايتنر:

    إندلعت حركة إحتجاجات قادها طلاب الجامعات في ألمانيا الغربية رفضاً لتولي أعضاء سابقين في الحزب النازي لمناصب حكومية ،وتنديداً بسياسات الحكومة الإقتصادية التي أدت إلى تردي أوضاع الطلاب والعمال ،وغالباً ما كانت تنتهي بإشتباكات مع الشرطة في محاولة من السلطات لمنع وصول المد الشيوعي إلى أراضيها من جارتها ألمانيا الشرقية.

    هزت الإحتجاجات المجتمع الألماني الغربي وتوجهت ميول  الكثير من الشباب إلى التشدد وتبني الأقكار الماركسية ،وفي عام 1970 أنشىء فصيل الجيش الأحمرالألماني.

    أثرت كل الأحداث الجارية آنذاك بالشاب برايتنر وبدا ميله واضحاً للتمرد وإعتناق الأفكار الشيوعية قال برايتنر:” “في سن ال 16، كان كان لوفاة تشي غيفارا تأثير كبير علي. لقد كانت هذه مرحلة هامة جدا من تطوري”.

    تصريحات مثيرة للجدل وتوتر علاقته مع الصحافة والجماهير:

    بدأ توتر العلاقة بين برايتنر وإدارة المنتخب الألماني عندما كان بسن ال17 عندما رفض قص شعره الطويل بعد مباراة لفريق ألمانيا الغربية تحت سن 18،وكان يرد بعنف على أسئلة الصحفيين في مؤتمرات المنتخب الصحفية وكان أحد أشهر تصريحاته “كان على لاعبي كرة القدم أن يفعلوا كل شيء يطلبه منهم المدراء و المدربون .لم يسأل أحدهم “لماذا” أو يقل “لا”.لقد كنت جزءاً من إحتجاجات 68 في ألمانيا.كانت هناك ثورة في عقول الطلاب وشعرت بأني جزء منها. و كنت مهتماً بأفكار ماو وتشي غيفارا”.

    إستمر برايتنر بإستفزاز الجميع ووصف عزف النشيد الوطني الألماني قبل المباريات ب”الممل والمدمر للتركيز”مما أثار غضب الجماهير التي لقبته ب “الشيوعي”.إعتبرته الصحف أيقونة للفكر الماركسي وأصبح يلقب ب “بول الأحمر”.

    تحدى برايتنر إدارة بايرن ميونخ الذي وصفه ب ووصفه  “بطبقة أرستقراطية تعتمد على المال”، وتعمد نشر صورته جالساًعلى كرسي خشبي ممسكاً بجريدة “بيكينغ ريفيو “الصينية معلقاً صورة الزعيم الصيني ماوتسي تونغ على الجدار خلفه.

    تحدث بول لصحيفة “دي زيت “في أوائل السبعينات وأبدى إنزعاجه من حياته كنجم كرة قدم ،وقال أنه ضاق ذرعاً من المنافسات الدولية التي إعتبرها مجرد “مطار و فندق” ،وقاد تمرد لاعبي المنتخب الأول ضد الإتحاد الألماني مطالبين برفع مكافآتهم في حال الفوز بكأس العالم،وكاد الخلاف أن يتسبب بإنسحاب المنتخب من البطولة.

    تهربه من الخدمة العسكرية:

    في 1970 ومع إنضمامه لبايرن ميونخ أستدعي إلى الخدمة العسكرية ،ولكنه لم يلتحق بالجيش فجاء رجال الشرطة العسكرية للبحث عنه فهرب من المنزل و إختبأ في بيت صديقه أولي هونيس لعدة أيام، ثم سلم نفسه بعدما دار الحديث عن نشر صوره و ملصقات تدعو للقبض عليه وعوقب بتنظيف الحمامات لمدة سنة.

    الإنتقال إلى ريال مدريد وإنقلاب الأفكار:

    برايتنر ولقب كأس العالم

    برايتنر ولقب كأس العالم

    بعد كأس العالم، أعلن بريتنر: “أنا لا أشعربأني ألماني إطلاقاً،وبالتأكيد لاأحس أني بافاري”. بهذه الكلمات القوية هاجم برايتنر بلاده وإعتبر أن “الدوري الألماني هوأعمال تجارية كبيرة ، تقريبا كل شيء يتمحور حول المال. ليس هناك مجال للإشتراكية.كل الأعمال المتعلقة بالإنتقالات غير قانونية .إنها تتعارض مع حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية الأساسية”.

    إنتقل اللاعب المثير للجدل إلى ريال مدريد في 1974 .ولعب بجانب زميله غونتر نيتزر.كانت مسيرته ناجحة مع الفريق الملكي حيث خاض 84 مباراة سجل خلالها 10 أهداف ،وفاز ببطولتي دوري  وكأس ملك إسبانيا مرة واحدة.

    تغيرت حياة برايتنر في مدريد فقد إشترى منازلاً فاخرة و سيارات رياضية فارهة باهظة الثمن، وعندما لم يتمكن من شحن سيارته الرياضية من ألمانيا قال أن ذلك “أسوأ سيء حصل له في حياته”.حصل برايتنر على عقد رعاية من إحدى شركات التبغ عام 1977و تجول بسيارة مازاراتي في شوارع ميونخ أثناء إجازاته.

    بالنسبة لليساريين في تلك الأوقات، كان من الصعب تقبل أن الشخص الذي إعتبروه رمزاً لهم قد خان مبادئهم التي لطالما دافع عنها بشراسة و قلب لهم ظهر المجن.بين ليلة وضحاها.

    أصبح الألماني عدواً للشيوعيين فقبل بداية كأس العالم 1982 حلق ذقنه الشهيرة مقابل 150ألف مارك ألماني دفعتها له إحدى شركات منتجات التجميل وقال لاحقاً أن اللحية لا علاقة لها بميوله السياسية بل لن زوجته تحبها ،ظهرفي إعلانات لشركة ماكدونالدز للأطعمة الجاهزة، كان الطعام الألماني يرسل إليه كل إسبوع إلى إسبانيا،ومثل دور البطولة في فلم “بوتيتز فريتز”الذي دارت أحداثه حول عدة رجال ألمان يتصدون لعصابة سرقة مجوهرات.

    إف سي برايتنيغ:

    في صيف عام 1978، عاد برايتنر إلى بايرن ميونخ وحمل شارة القيادة في العام التالي ،لعب برايتنر في خط الوسط وأسهم بفوز الفريق بلقبي دوري وكأس بشراكته مع كارل هاينز رومينغيه التي عرفت ب “إف سي برايتنيغ”.شراكة اللاعبين كانت ناجحة بكل المقاييس فقد سجل 66هدفاً في 146 مباراة ،وفي عام 1981 أختير برايتنر كأفضل لاعب في ألمانيا وحل ثانياً خلف رومينغيه في جائزة الكرة الذهبية.

    أصبح برايتنر اللاعب الأقوى والأكثر نفوذا في غرف ملابس بايرن ميونخ ،وكان تأثيره كبيراً على اللاعبين فبعد طرد رومينغيه أمام ريال مدريد في مباراة ودية أصر على الإنسحاب من المباراة رغم معارضة المدرب بال سيرناي لكن لاعبي الفريق وافقوا برايتنر وتركوا المباراة.

    paul-breitner-haarpracht-100-_v-img__16__9__xl_-d31c35f8186ebeb80b0cd843a7c267a0e0c81647

    كاس العالم 1982:

    أصيب نجم ألمانيا الغربية بيرند شوستر فأضطر المدرب يوب ديروال للإستعانة بخدمات برايتنربعد ضغط هائل من رومينغيه .عودة برايتنر إلى المنتخب جاءت بعد إستبعادع ل 6 سنوات بسبب مشاكله مع الإتحاد الألماني وسخريته من المدرب ديروال علناًعدة مرات الذي رضخ للأمر الواقع وترك لبرايتنر مسؤولية قيادة اللاعبين في غرف خلع الملابس.

    قضى أبطال أوروبا أيامهم في معسكر التدريب بالشرب، ولعب القمار والإحتفالات الصاخبة .إعترف المدرب لاحقاً أن اللاعبين كانوا ينفجرون بالضحك كلما حاول أن يعرض عليهم مقاطع فيديو للفرق المنافسة.

    خسر الألمان مباراتهم الإفتتاحية أمام منتخب الجزائر الذي إستهانوا به وكانت تصريحاتهم قبل المبارة مستفزة للغاية فقد قال الحرس توني شوماخر :”سنحرز 4 ل 8 أهداف للإحماء “،بينما وعد ديروال أنه سيعود على متن أول قطار إن لم يحقق منتخبه الفوز.

    هزمت ألمانيا الغربية 3-1  في النهائي أمام إيطاليا.سجل برايتنر هدف بلاده الوحيد وإعتزل اللعب الدولي بعد كأس العالم بأسابيع ثم إعتزل اللعب نهائيا بعد عام إثر خلاف مع أولي هونيس.

    إستمرت علاقاته مع بايرن ميونخ والإتحاد الألماني رغم كل مشاكله،يعمل حالياً محللاًرياضياً ،ويمثل بايرن ميونخ في المباريات الودية و المناسبات الرسمية كما حمل  كأس دوري الأبطال إلى داخل الملعب قبل نهائيي 2012 و 2013

    كانت مسيرة برايتنر ناجحة بكل المقاييس ،ورغم ما أخذ عليه من تغيير في أفكاره السياسية إلا أن الشيء الوحيد الذي لم يتغير في حياة الألماني كان كرهه و تحديه للإدارة على صعيد المنتخب والأندية.

    كلمات مفتاحية