في جنون الانتقالات …ما أسباب كسل أندية الدوري الألماني في التعاقدات

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • البوندسليغا

    في ظل ارتفاع  حرارة الجو في معظم بلدننا العربية ، تعيش القارة الأوروبية في دورياتها الكبرى  صيفاً لا يقل حرارة في فترة الانتقالات حيث بات مبلغ المئة مليون عادياً في سوق مجنونة وصلت الأرقام فيها إلى أكثر من مئتي مليون يورو ثمناً للاعب واحد . لكن يبدو أن هذه الحرارة لم تصل إلى ألمانيا التي لا تزال تحافظ على هدوئها واستقرارها النسبي ، وهنا يطرح سؤال ..لماذا هذا الكسل في ألمانيا مقارنة بالدول الأخرى كإنجلترا  اسبانيا أو حتى إيطاليا ؟ وهل يؤثر على مستوى كرة القدم فيها ؟

    لماذا هذا الكسل مقارنة بالدوريات الكبرى في أوروبا  ؟

    الحقيقة أنه ليس هناك كسل بقدر ما هو طبيعة النموذج الاقتصادي والرياضي لأندية الدوري الألماني ، وحتى نفهم الموضوع بوضوح علينا أن نلقي الضوء على مداخيل أندية الدوري الألماني التي تأتي من ثلاث جهات :

    1- مداخيل  المباريات

    2- عائدات الشركات الاقتصادية والرعاة

    3- عائدات النقل التلفزيوني

    المفهوم الرياضي الاجتماعي .

    تعمل  أندية الدوري الألماني وفق مفهوم رياضي اجتماعي يضع الجمهور أولاً قبل كل أعتبار . حيث تعتبر أسعار البطاقات في ألمانيا الأرخص في أوروبا على الإطلاق وهو ما جعلها الأولى في الإقبال الجماهيري لسنوات عديدة . لكنه بالمقابل خفض العائد المادي لها مقارنة بنظرائه  في أنجلترا وأسبانيا. وما ينطبق على المباريات ينطبق على حقوق النقل حيث تعتبر السوق الألمانية الأكثر تنافسية في أوروبا بهدف وصول الدوري إلى كل بيت في ألمانيا، لكنه بالمقابل يخفض أيضاً من عائدات الأندية مقارنة بنظرائها في الدوريات الكبرى.

    صرامة القواعد المالية

    المفهوم الرياضي الاجتماعي السابق يترافق مع مجموعة صارمة للقواعد  المالية الناظمة للدوري الألماني والتي تهدف إلى حماية أندية الدوري الألماني من الغرق في الديون. ومن أبرز هذه القواعد التي لا مجال لذكرها جميعاً هنا ثلاث قواعد أساسية  :

    الأولى : عدم قدرة المستثمرين على شراء أكثر من 49 بالمئة أسهم أي ناد في ألمانيا عكس ما يحدث في إنجلترا أو إيطاليا حيث يستطيع مالك أو شركة واحدة من  امتلاك ناد .وهذه القاعدة تمن جهة واحدة من التحكم في مصير النادي وتحميه  من الانجراف المجنون نحو الاستثمار كما رأينا في أمثلة كثيرة في بلدان أخرى حيث أُثقل النادي بديون لا يمكن إيفاؤها وهو فعلياً ما دفع بالاتحاد الأوروبي لإطلاق قوانين اللعب المالي النظيف .

    الاستثناء الوحيد هو ناديا باير ليفركوزن وفولفسبورغ المملوكان بالكامل لشركتي باير للأدوية وفولكسفاغن للسيارات ، لكن هذا الاستثناء لم يعطى إلا بعد عشرين عاماً من الالتزام الكامل للشركتين العملاقتين بدعم كرة القدم في هذين الناديين فاستحقا الملكية الكاملة . ويلاحظ أن الملكية هي لشركتين ألمانيتين ملتزمتين بنفس قيم المجتمع .

    الثانية : الاندية الألمانية لا تدفع أكثر من خمسين بالمئة من مداخيلها كرواتب للاعبيها مقارنة بـ سبعين في المئة في انجلترا على سبيل المثال.

    الثالثة : خوض ما يسمى اختبار لياقة مالي يكشف عن قدرات النادي المالية التي تؤهله لخوض المنافسات المحلية ، ومن يفشل في اختبار اللياقة هذا يحرم من المشاركة في الدوري والبطولات الأوروبية .

    كلا الأمرين يحميان الأندية من نير الديون ويبقيان الموازنة متوازنة، لكنها بالمقابل تمنعها من الدخول بقوة في سوق الانتقالات وجلب لاعبين كبار لكونها لا تملك المال المطلوب لشراء النجوم أو دفع رواتبهم خصوصاً في ظل انخفاض عائدات المباريات والنقل التلفزيوني نتيجة المفهوم الرياضي والاجتماعي السابق الذكر والذي يضع حدوداً أكثر على قدرات الصرف لقلة المداخيل مقارنة بكبار أوروبا .

    ماهي نتائج هذه السياسة

    باستثناء بايرن ميونخ الغني أصلاً لأسباب كثيرة منها غنى ولاية بافاريا نفسها وتاريخه الكبير ، فإن الدوري الألماني غير قادرة على جلب نجوم الصف الأول في العالم الذين تجلبهم إنجلترا أو عمالقة اسبانيا وبالتالي فإن الدوري الألماني أقل جاذبية بكثير منه في الجارتين العملاقتين . لكن على الأرض فإن نتائج سياسة التوازن الاقتصادي هذه أفرزت العديد من النتائج أبرزها .

    الدوري الألماني هو الأول جماهيرياً منذ زمن طويل ، ففي الموسم الماضي بلغ معدل الحضور 41.527 شخصاً في المباراة متفوقاً على الدوريين الانجليزي والاسباني  المتقاربين واللذان يلامسان الـ 39 الف متفرج في المباراة تقريباً .

    17 نادياً من أصل 18 خالية من الديون في حين ترزح كل فرق أوروبا الكبرى تحت وطأة ديون كبيرة.

    مالياً تتصاعد الأرباح شيئاً فشيئاً حيث ارتفعت عائدات الأندية للعام الثالث عشر على التوالي بفضل التوازن المالي وشراكات الرعاية الناجحة مع الشركات الصناعية والتجارية الألمانية الكبرى تعويضاً عن نقص العوائد السابق  (الشراكة بين بايرن ميونخ وشركة الأليانز للتأمين لتسمية الملعب خير مثال ) هو السبب الرئيسي . والهدف الكبير بحسب كريستيان سيفيرت رئيس الرابطة هو الوصول لمبلغ 6 مليارات يورو عوائد مستقبلاً مقارنة بـ 1.5 مليار يورو حالياً عبر الانفتاح على الخارج أكثر من خلال زيادة الجولات الخارجية وتحسين موضوع الاستثمار الخارجي بما لا يتعارض مع القيم الألمانية  حيث أبرمت صفقة مؤخراً مع قناة فوكس سبورت الأمريكية لبث مباريات الدوري الألماني في أميركا الشمالية .

    ـ فنياً هو الأعلى في نسبة الأهداف منذ ما يزيد على 25 عاماً مما يدل على تنافسيته الكبيرة ، ونسبة 60 بالمئة من لاعبيه هم ألمان هو عنصر آخر في عدم إتمام صفقات كبرى لأن الأندية تغذي نفسها بنفسها منذ اعتماد سياسة الاهتمام بالناشئين التي بدأت مطلع القرن الحالي . وبالنظر إلى واقع الكرة الألمانية نجد أن منتخبات ألمانيا هي الأفضل حالياً حيث فازت ببطولة العالم عام 2014 وبطولة كأس القارات عام 2017 بمنتخب رديف وببطولة أوروبا تحت 21 عاماً لتمتلك ثلاث منتخبات قوية دفعة واحدة.

    بالمحصلة وازنت ألمانيا كروياً بين الجانبين الرياضي والاقتصادي بشكل مميز كما  وازنت سابقاً بين اقتصاد السوق والعامل الاجتماعي أو ما عرف فيما بعد باقتصاد السوق الاجتماعي الذي اتبعته العديد من الدول. وربما خسرت بسبب هذه السياسة الكثير من عوامل الإثارة في الموجودة في دوريات أخرى من نجوم وإعلانات وخلافه . لكنها بالمقابل كسبت توازناً وقوة جعل الجميع يسعى ليكون مثلها وأولهم الاتحاد الأوروبي نفسه الذي يسعى وبقوة للحد من الانفاق المجنون على كرة القدم …ويمكن القول بكل ثقة أن ألمانيا مثال يحتذى في كل شيء حتى كرة القدم .

    لمتابعة الكاتب على فيسبوك وتويتر