الإعلام الجديد والرياضة … كرة القدم تأكل الجميع

محمد عواد 23:57 16/12/2016
  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • لم تعد محل نقاش مسألة انتشار كرة القدم وتفوقها على كافة الرياضات المنافسة لها في العالم من حيث الشعبية، فهذه اللعبة المكونة من 22 لاعباً على أرض الملعب، وبعد أن ثبتت أقدامها في عدة قارات، باتت تغزو معقل كرة السلة والبيسبول في الولايات المتحدة الأمريكية مع وصول عدد المسجلين في اللعبة هناك إلى 4 ملايين من ذكور وإناث، كما أنها باتت تغازل معقل الكريكيت في الهند ورياضات المضرب في الصين.

    جعل تحول كرة القدم إلى استثمار من طبيعتها الانتشار والبحث عن النمو الدائم، وساعد على ذلك التقاء مصالح الأفراد فيها مع الأندية والاتحادات القارية والاتحاد الدولي، فالجميع يهمه زيادة عدد المتابعين من أجل زيادة العوائد، الأمر الذي جعل الامتداد خطة وليس نتيجة أو صدفة.

    وفي عصر الإعلام الجديد، ظهرت الفجوة واضحة بين كرة القدم وغيرها من الرياضات، خصوصاً في العالم العربي، وساعدتها جسور التواصل الاجتماعي على أن تدور وتتدحرج بطريقتها الخاصة إلى أسواق جديدة، وليس أدل على ذلك من كريستيانو رونالدو على سبيل المثال. كيف لا وهو الشخص الأكثر متابعة في العالم على موقع فيسبوك، متقدماً على الفنانين والمشاهير والسياسيين بمختلف قطاعاتهم، كذلك الحال تقدم برشلونة وريال مدريد على كافة الهيئات والعلامات التجارية مهما كان مجال عملها.

    شبكات التواصل الاجتماعي مصدر الخبر الجديد
    “انتهت الأخبار،” بهذه العبارة يمكن تلخيص تقرير معهد رويترز الصادر في حزيران / يونيو 2016، والذي تناول وضع الصحافة بعد صعود نجم شبكات التواصل الاجتماعي أمثال فيسبوك وتويتر.

    وحسب ذلك التقرير الذي قدم دراسة شاملة لمستخدمي الإنترنت في 26 دولة، تبين أن أكثر من 50% من المتصلين بالإنترنت يعتبرون شبكات التواصل الاجتماعي مصدرهم الأول للأخبار، وأن مصدر المعلومة لم يعد مهماً، فأقل من 25% مثلاً من المستجوبين في اليابان وكوريا قالوا إنهم يتذكرون مصدر الأخبار التي قرأوها خلال أسبوع، مما وجه ضربة قاضية لمفهوم العلامة التجارية للناشرين، أو مصطلح المصدر الإخباري.

    خلقت هذه المعلومة ضغوطاً هائلة على الناشرين وشركات الإعلام، فحسب تعليق صحيفة جارديان على التقرير ذاته، تسببت الأجواء الجديدة في الفضاء الالكتروني في صعوبة تحقيق الأرباح من قبل الناشرين، وأنه على الأغلب سينتهي الأمر بعدد قليل من الرابحين وعدد كبير من الخاسرين.

    نقدم لهذا التقرير بذكر هذه الدراسة، لنفهم أسباب التحول اللاحق في الإعلام الرياضي في المنطقة العربية بشكل خاص، ولنلفت الانتباه إلى مسألة قد تكون نتائجها على المدى الطويل غير مرحب بها في الملاعب والمضامير وليس فقط في الصفحات والمواقع.

    بالأرقام… كرة القدم تأكل الإنترنت العربي
    يعتمد الشاب العربي هذه الأيام على مصدرين رئيسيين لمعلوماته وأخباره في مجال الرياضة؛ المواقع الالكترونية من جهة وشبكات التواصل من جهة أخرى.

    وبالنسبة للمواقع الالكترونية، فلو قمنا بتحليل محتوى أكبر خمسة مواقع عربية من حيث عدد الزيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك حسب مرجعية النظام الإحصائي “ايفكتف ميجر” المعتمد من قبل الناشرين والمعلنين، فإن النتائج لن تكون مرضية.

    لقد تبين لنا عند عودتنا إلى تحليل آخر ستة آلاف موضوع تم نشرها في كل موقع، وهو ما يغطي ما يزيد عن أربعين يوماً من محتوى هذه المواقع، أن موقع مثل كووورة يقدم 93% من محتواه لكرة القدم ويخصص 7% للرياضات الأخرى قاطبة. أما جول، فهو موقع مختص تماماً بكرة القدم بنسبة 100%، وموقع يلا كورة المختص بالرياضة المصرية، يقدم 99.9% من محتواه عن كرة القدم ولا يغطي أخبار الرياضات الأخرى إلا إذا تعلق الأمر بالأهلي والزمالك.

    ويعطي موقع في الجول 97% من مساحته لكرة القدم، ويخصص 3% لباقي الرياضات شاملاً ذلك المصارعة الاستعراضية التي يرفض كثيرون اعتبارها ضمن الرياضات لكونها أقرب للتمثيل. في حين أن موقع سبورت 360 عربية، يعطي 10% من مساحته للرياضات الأخرى، في حال قمنا باستثناء المصارعة الاستعراضية، ورغم أنه يعد أفضل رقم متوفر في السوق العربية، لكنه ما زال أقل من المأمول.

    فيما يتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي، هناك حالة من طغيان حسابات كرة القدم بمختلف أنواعها التي تصل لملايين المتابعين. وبالنسبة للرياضات الأخرى، فقد نجد بعض الحسابات الناجحة على تويتر بالوصول إلى عشرين أو ثلاثين ألفاً في بعض المناسبات، لكن التفاعل عليها ضعيف، وقد يحظى أقوى منشور بإعادة تغريد 5 مرات على الأكثر.

    تعكس قلة التفاعل هذه مزاج المتابعين ومزاج الوسط الذي تنتشر فيه المواد، فهو مزاج كرة قدم، مما يدفع غالبية المتابعين للاحتفاظ بما يتابعه لنفسه، ويتجنب إعادة التغريد بما يعتبره ليس مهماً للآخرين.

    1

    المصادر التابعة لوسائل الإعلام التقليدية تحاول… ولكن!
    عند تصفح موقع إلكتروني تابع لصحيفة ورقية أو قناة تلفزيونية، تشعر أن هناك محاولة أكثر جدية لتغطية الرياضات الأخرى، مع وجود توازن أكبر. لكن هذه المحاولات لا تبدو ناجعة لعدة أسباب يمكن شرحها فيما يلي:
    لا تعتمد معظم المواقع التابعة للوسائل الإعلامية التقليدية بمصدر زياراتها على الأخبار الرياضية، وهذا ما تؤكده إحصائياتها المعلنة، فمصدر جذبها عادة ما يتمثل في تغطيتها إما للخبر السياسي العالمي والمحلي، أو الخبر الاجتماعي.

    وهذا يعني أن الزائر هناك ليس بالضرورة مهتماً بالرياضة، وقد يغادر حالما ينهي الأخبار التي جاء لأجلها، من دون تصفح المحتوى الرياضي.

    تعتمد تلك المواقع في معظم محتواها الرياضي فيما يتعلق بالرياضات الأخرى غير كرة القدم على الوكالات الإخبارية الدولية أو المحلية، وهذا يصل لما نسبته 95% من المحتوى عند إجراء تحليل لمحتوى 10 صحف مرموقة فيما يتعلق بالرياضات غير كرة القدم.

    يجعل هذا الأمر من تغطية تلك الصحف متكررة، ولا تقدم للقارئ شيئاً إضافياً في عصر الإنترنت، في حين أن هذا كان أسلوباً فاعلاً وأكثر تأثيراً في الماضي لأن الإنسان كان يشتري صحيفة وحيدة.

    لا تعد هذه المصادر جاذبة للشباب في مجال الرياضة، وبالتالي لا تؤثر في الشريحة المستهدفة بشكل مباشر، والتي نخشى من هجرتها لكثير من الألعاب.

    ما بين الأرقام ورسالة الصحافة … فقدان توازن
    تواصل المواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي سباق الأرقام فيما بينها، حيث تسارع دوماً إلى نشر أنباء وصولها إلى ذلك المليون من المتابعين أو عشرات الملايين من التصفح، مع تجاهل نوعية هذه الأرقام، ومدى تأثيرها الإيجابي.

    يمكن القول إن الصحافة قد تم تجريدها بسبب لعبة الأرقام من رسالتها الأساسية رياضياً، وهو خلق معرفة ومحتوى يؤديان إلى التنوير.

    ولم تهتم وسائل الإعلام الرياضية في العالم العربي بالأولمبياد البارالمبية قبل انطلاقها، حتى تم تحقيق نتائج ونجاحات فيها، فكانت هناك بعض التغطية الخجولة، التي تكتفي بذكر النجاحات والأبطال من دون مزيد من التعمق.

    وعن هذه المسألة، تقول الصحفية ريم أبو الليل التي تعمل في صحيفة ورقية وتنشط في ذات الوقت على شبكات التواصل: “لا يمكن قبول ما يجري الآن في المواقع الإلكترونية، هناك حالة من إدمان الأرقام.”

    وأضافت: “قياس أهمية الموضوع بعدد القراء خطأ فادح بحق الصحافة، وهذا يجعل الصحفي غير مسؤول في عمله، إذ يتحول إلى بائع يبحث عن أرقام لا فكرة. أين ذهب دور الصحفي في تثقيف الجمهور؟”

    في حين يمكن فهم رسالة الصحافة النبيلة وضرورة احترامها، يجب تفهم دور الصحفي ومسؤول التحرير في الموقع الرياضي الالكتروني، حيث يتم قياس عمله من قبل المستثمرين والمسؤولين بناء على الأرقام أكثر من جودة ما يقدمه.

    وهنا، يبدو الصحفي في قطاع الرياضة مظلوماً أكثر لأن المواقع الالكترونية الأخرى المعنية بالسياسة، إما إنها تملك شيئاً واحداً تركز عليه ويجلب الزيارات من دون أن تتعرض للانتقاد مثل مواقع القضايا المحلية، أو إنها مواقع تم افتتاحها بالأساس لأهداف سياسية تخدم مصالح من يمولها، وهي نوع رائج للغاية في المنطقة، وهذه مواقع لا تبحث عن أرباح ولا زيارات، بل نشر معلومات معينة تمثل وجهة نظرها.

    السوق الأعمى واللعبة التجارية يزيدان من عقدة الأرقام
    قد يسأل أحدهم “لماذا لا يحدث هذا إلا عندنا؟ نرى وسائل إعلام بريطانية وأمريكية على سبيل المثال ما زالت تسعى لتغطية كافة الرياضات المهمة في بلادها.”

    يمكن القول إنه من خلال دراسة بالسوق جيداً، فإن عالم الإنترنت في المنطقة العربية يحتاج لخطوة جديدة من النضج، فما زالت سوق الإعلانات تتجه لمن يملك عدداً أكبر من الزيارات والتصفح.

    يقول بشير مريش، وهو صاحب خبرة تزيد عن 10 سنوات في مجال المبيعات الرقمية، “هناك سؤال يتكرر من المعلنين ووكلائهم، كم زائراً لديك؟”

    ويضيف: “المشكلة لا يوجد من يستطيع شراء كمية الزوار بأكملها على أي موقع من المواقع الكبيرة لأن هذا مكلف للغاية، رغم ذلك، فإنه ما زال السؤال المحرك لعملية البيع.”

    يجبر مثل هذا السوق، الذي يبحث عن الأرقام، أصحاب المواقع الرياضية على البحث عن الأرقام بحد ذاتها، خصوصاً أن جودة المحتوى لا تعني كثيراً في معظم الحالات للمعلنين، الأمر الذي يؤدي إلى نهايات حزينة لأي موقع يسعى لتقديم رسالة.

    ولا يمكن التوقف عند اتهام الآخرين وتحميلهم المسؤولية التجارية الكاملة عن المسألة، فهناك أيضاً دور مهم من مالكي ومدراء هذه المواقع، لأنهم يبحثون عن أرقام سريعة لا تملك أية قيمة استراتيجية.

    يؤدي الاستعجال بالوصول إلى حاجز الملايين من الزوار إلى جعل هذه المواقع تضع كامل ثقلها في المواضيع الجاذبة لعدد أكبر من القراء، بغض النظر عن القيمة التي يقدمها المحتوى، الأمر الذي جعل من المحتوى الرياضي بشكل عام مكرراً تختلف عناوينه.

    وينال موضوع مثل ريال مدريد على سبيل المثال، تغطية هائلة في كافة المواقع العربية، لكن يخبرنا محرك البحث جوجل إن متوسط عدد المواضيع غير المتكررة والمتعلقة بالنادي الملكي من حيث محتواها يبلغ 150 موضوعاً أسبوعياً فقط، وهذا يعني أننا أمام 95% من المحتوى المكرر بين المواقع عن أحد أهم المواضيع المتعلقة بكرة القدم العالمية هذه الأيام.

    يأخذنا هذا للقول إن لعبة الأرقام لم تؤثر فقط على المحتوى المتعلق بالرياضات الأخرى، بل إنه يؤثر أيضاً على جودة محتوى كرة القدم ذاته، لأن التركيز بات على ما يجذب، لا على ما يثقف، وفي هذا تغيير خطير يتوجب الانتباه إليه.

    2

    السكواش ومستر أولمبيا مثالاً
    يحقق العرب مؤخراً نجاحات لافتة في رياضات غير شعبية، ولا تنال تغطية تليق بالإنجازات فيها على مستوى الإعلام. ولعل رياضة السكواش مثال مهم، حيث عاد المصريون مؤخراً للسيطرة ذكوراً وإناثاً، وباتت الرياضة تصعد بشكل لافت في الإمارات والسعودية والكويت أيضاً، لكن دون رد فعل ملائم من وسائل الإعلام.

    تحدث زياد التركي، رئيس رابطة لاعبي السكواش المحترفين إلينا عن هذه المسألة وقال: “الإعلام عليه مسؤولية لا تقل عن مسؤولية الاتحادات المحلية بنشر اللعبة والتعريف بنجاحاتها.”

    وأضاف: “واجهت مواقفاً في بلاد عربية مختلفة تتعلق بعدم قدوم معظم الجهات الصحفية لتغطية الأحداث المتعلقة باللعبة، وعندما تحدثت مع بعضهم أخبروني بأنها ليست من اهتماماتهم وبالتالي علينا دائماً تذكيرهم بموعد إقامة أية مناسبة.”

    بعيداً عن السكواش، وانتقالاً إلى رياضة كمال الأجسام وتحديها الأكبر في مستر أولمبيا، فقد شهد شهر أيلول “سبتمبر” 2016 منافسات البطولة، التي كان يشارك فيها المصري رامي السبيعي كأحد أهم المنافسين.

    من ضمن المواقع الرياضية المصنفة كأول 10 مواقع في المنطقة العربية، لم يقم إلا موقع واحد بتغطية الحدث بتقارير قبله وبعده، الأمر الذي دفع الموقع العربي الوحيد المختص برياضة كمال الأجسام bodybuildingarab.com للهجوم بشدة على الإعلام بشكل عام والمصري بشكل خاص معنوناً “رامي السبيعي يحصد الجوائز والإعلام المصري نائم.”

    بعد ذلك بأيام، تألق رامي في بطولة أرنولد كلاسيك العالمية ذات الأهمية الكبرى، وحصد المركز الثاني، ورغم ذلك لم ينل أيضاً أية تغطية في كافة المواقع العربية الرياضية والمصرية، وحتى عندما استضافت الكويت بطولة للمحترفين خلال نفس الفترة، مر الأمر بصمت تام.

    أقيمت بطولات رسمية في أراض عربية لرياضات مختلفة لم تجد أية أذان صاغية، في حين استحوذت في نفس الفترة زيارة تشافي هرنانديز إلى الأردن ورونالدينيو إلى الإمارات العربية المتحدة لغايات ترويجية واستعراضية، على اهتمام وسائل الإعلام التي رصدتهما في غالبية المواقع، وتم نشر مقاطع الفيديو علماً أن الحدث ذاته لا يملك أي تأثير حقيقي على مجريات لعبة كرة القدم.

    يمثل وجود بطل وطني في أي رياضة عنصر جذب يجب استثماره، ويجب البناء عليه، فمثلاً سهر كل الأردنيين لمشاهدة بطلهم أبو غوش يفوز بذهبية التايكواندو في أولمبياد ريو، وبعيداً عن الرياضة، يجب التعلم من درس التحشيد الذي يحصل حول برامج المسابقات مثل “ذا فويس” أو “آراب أيدول” للتصويت لابن البلد نفسه، فالحس الوطني والقومي موجود، لكن الإعلام الرياضي لا يتقن استغلاله لغايات إيجابية، على العكس من اتقان الإعلام السياسي للمسألة لغايات مختلفة.

    الناس يشترون ما يتابعونه … قاعدة خلقها الإعلام الجديد
    مع وجود الإنترنت، صعد مفهوم التجارة الإلكترونية ومواقع البيع بالتجزئة للناس أمثال موقع أمازون العالمي أو موقع سوق في المنطقة العربية.

    يؤكد الكاتب المختص في مجال التسويق الالكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي أنطوني دي مورو في مقال له على موقع مجلة فوربس، وجود قاعدة ثابتة في عالم الإنترنت والإعلام الجديد، يمكن تعميمها في شتى المجالات.

    ويقول دي مورو في مقال عنوانه (تأثير الإعلام الجديد على ثقافة الناس الرياضية) “يميل الناس المتفاعلين مع شبكات التواصل الاجتماعي إلى شراء منتجات يتابعونها على شبكات التواصل. وحسب دراسة على موقع سوشيال تايمز، فإن 67% من الناس أكدوا أنهم يشترون المنتج الذي يتصلون به في شبكات التواصل الاجتماعي (الدراسة كانت على موقع تويتر.)”

    تقودنا مثل هذه الدراسة إلى حقيقة مهمة مفادها أن تركيز الناشرين الرئيسيين الكترونياً على كرة القدم، سيؤدي مباشرة إلى زيادة شعبية اللعبة على حساب غيرها، كما سيزيد من أعداد ممارسيها على حساب غيرها. لعل هذا يجعلنا نفهم وجود سؤال من قبل البعض في شبكات التواصل الاجتماعي “مباراة كرة السلة من كم شوط تتكون؟”

    وجاء بحث جامعي اطلعنا عليه بملاحظات مهمة، عنوانه ’دور شبكات التواصل الاجتماعي في عالم الرياضة‘ وهو بحث مقدم لكلية الإعلام والاتصال في الجامعة الأمريكية واشنطن من قبل الطالب مارك وايسوكي.

    خلال هذا البحث، كشف مارك عن نشاط واضح من قبل الأندية الأمريكية لكرة السلة، والصالات والمرافق الخاصة بها للترويج عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وأنها لا تكتفي بالاعتماد على وسائل الإعلام والناشرين لفعل ذلك.

    ولعل هذه الملاحظة تنقلنا إلى دور الاتحادات الخاصة بالرياضات الأخرى في المنطقة العربية، بخلق قاعدة جماهيرية حولها في منصات التواصل الاجتماعي، ومن ثم محاولة نشر اللعبة وقواعدها وأخبارها، لا المحلية فحسب، بل العالمية كعنصر جذب يوفر محتوى غني ومتصل.

    خلال أولمبياد ريو 2016، كان لافتاً للانتباه ما قامت به اللجنة الأولمبية الأردنية من نشاط مميز لتغطية الأولمبيين الأردنيين على تويتر وفيسبوك، وهو أمر يجب أن يتم نقله للاتحادات على مستوى اللعبة، وبطريقة جذابة بعيداً عن الرسميات التي باتت تعتبر مملة بالنسبة لكثيرين، عندما نتحدث عن شبكات التواصل.

    قراءة في أرقام البحث على جوجل
    يقدم جوجل خدمة على درجة عالية من الدقة، تسمى أداء جوجل للتخطيط بناء على كلمات البحث ” Keyword Planner – Google”. عند استخدام هذه الوسيلة لمقارنة ما يحدث باللغة العربية بخصوص الرياضات تم التوصل إلى أرقام مخيفة.

    تعد لعبة التنس حالياً ثاني أكثر رياضة طلباً إلكترونياً، لكن عدد الباحثين عن مواد تتعلق فيها لا يزيد بالمتوسط عن عشرة آلاف باحث كل شهر، وذلك حسب إحصائيات ما بين أيلول 2015 إلى نهاية أيلول 2016.

    لا يزيد متوسط الباحثين عن محتوى يتعلق برياضة عالمية مثل الملاكمة عن خمسة آلاف شخص شهرياً، وهذا الرقم يتساوى تقريباً مع البحث عن كرة اليد.

    لا تفوق شعبية لعبة التنس حسب محركات البحث باستخدام اللغة العربية شعبية توتنهام، وهو نادي كرة قدم يعد السادس من حيث الشعبية في الدوري الإنجليزي الممتاز عند الحديث عن المنطقة العربية، كما أنه لم يكن يوماً من الأندية ذات القاعدة الجماهيرية في المنطقة.

    تشير أرقام جوجل في البحث الرياضي إلى الفضول أو مدى الشغف بشكل عام، وبما يتعلق بعمليات بحث لقارئ العربي، فهي توضح لنا مدى تراجع رياضات لها أساطيرها وتاريخها مقابل كرة القدم، كما أن هذه الأرقام تتوافق مع قاعدة “الجمهور يشتري ما يتابعه في الإنترنت”، فغزارة محتوى كرة القدم خلقت فضولاً تجاه المزيد من تفاصيلها، في حين أن قلة الانتاج المتعلق بالرياضات الأخرى جعل الفضول أقل، وجعل اهتمام الزائر أقل.

    هناك من يقاوم
    صحيح أن الناشرين الرئيسيين في عالم الإنترنت الرياضي يتجهون بوضوح لما يجلب لهم عدد قراءات أكبر، لكن الفضاء الإلكتروني أتاح لآخرين فرصة المقاومة ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

    فخلال بطولة التحدي الآسيوية لكرة السلة عام 2016 التي أقيمت في إيران، تحولت صفحة على الفيسبوك إلى ملجأ للأردنيين لمتابعة أخبار البطولة ونتائج فريقهم الوطني، والظروف التي تحيط به.

    تحمل تلك الصفحة اسماً بالإنجليزية هو “Jordanian Basketball” وتكفلت بجعل الأردنيين يعرفون ما يجري، لدرجة دفعت موقع صحح خبرك الأردني، الذي يعد من مواقع الريادة في المملكة، إلى نشر موضوع خاص عنهم يحمل عنوان “صفحة ’فيس بوك‘ تتفوق على اتحاد كرة السلة وعلى الإعلام!”

    جاء في ذلك المقال “وحمل القائمون على الصفحة على عاتقهم مهمة التغطية الإعلامية لمشاركة المنتخب الوطني الحالية في كأس التحدي الآسيوي، حيث تم من خلالها نشر الصور والأخبار المتعلقة بالمنتخب الاردني، بالإضافة الى إحصائيات المباريات ومواعيدها أولاً بأول. وليس ذلك فحسب، حيث تقوم الصفحة ببث مباريات المنتخب مباشرة عبرها، باشتراك مدفوع الثمن -بحسب تعليق أحد القائمين عليها-، في حين غابت التغطية التلفزيونية عن جميع القنوات.”

    تبعث تجربة مصرية أخرى على الأمل بأن هناك من قرر المقاومة، رغم أنه لا يمتلك نفس القدرات المالية والكادر البشري الذي يملكه الناشرون الكبار، ولا يملك نفس الوصول على شبكات التواصل الاجتماعي كذلك.

    تلك هي تجربة الشبكة الرياضية المصرية، التي تضع اسماً بالإنجليزية لها Egypt Sports Network، وقد كانت مصدراً مهماً لأخبار الرياضة الأولمبية المصرية قبل وخلال ريو دي جانيرو 2016، حيث ظهر جلياً ضعف الناشرين المصريين على الإنترنت بتقديم محتوى يخص رياضات غير كرة القدم، بنفس المستوى الذي يقدمون فيه اللعبة الشعبية الأولى في العالم.

    وما زالت شبكة الرياضة المصرية تواصل عملها بجد، حيث تتابع نجوم السكواش من الفراعنة، وتبتعد بشكل مطلق عن كرة القدم. وخلال تشرين أول “أكتوبر” من عام 2016 قامت بتغطية منتخب مصر في بطولة كأس العالم لكرة السلة (3X3) وهي بطولة قليلة الشعبية، ولكن الرسالة التي تؤديها الشبكة فرضت عليها مثل هذا النوع من التغطية.

    الخلاصة … علم النفس يحذرنا
    يشرح الدكتور المختص بالإدارة الرياضية، جيفري جيمس، النموذج التقليدي الذي يتحول خلاله الطفل إلى متابعة أو ممارسة رياضة معينة، حسب ما نقل عنه موقع Sportsnetworker المختص بالرياضة من ناحية تجارية وعلمية.

    يقول جيمس: “وفقاً لعلم النفس، يبدأ الطفل بالتركيز على هواية معينة بطريقة تفكير عملية في سن الثامنة أو التاسعة، حيث يختلط عندها تفكيره العاطفي والارتباط طويل الأمد برياضة معينة، ثم يكون الاهتمام بفريق ويأتي الالتزام بالممارسة بعد ذلك.”

    ويضيف: “المؤثر الأساسي على الطفل هو بيئته الاجتماعية والأطفال من حوله وعائلته وما يشاهده على وسائل الإعلام المتاحة له.”

    بناء على كلام الدكتور جيفري جيمس، فإن الإعلام المركز على كرة القدم، والمؤثر أساساً باهتمام عائلة الطفل، سيجعل الطفل في النهاية متابعاً لكرة القدم، ولو أراد ممارسة لعبة، سيكون خياره العاطفي الأساسي كرة القدم، ولو لعب رياضة أخرى، سيكون لأنها المتاحة له وليس لرغبته بها، الأمر الذي سينعكس على إنجازاته ومدى استعداده للتضحية من أجل التطور في اللعبة.

    وإن كان الجيل الحالي الناشط في شبكات التواصل ووسائل الإعلام، هو جيل نشأ قبل عصر الإعلام الجديد، وما زال لديه بعض الارتباط العاطفي بعدة رياضات، ويساعد هذا للحفاظ على بعض الاهتمام بالرياضات الأخرى لدى الجيل التالي، لكن الجيل اللاحق سيكون جيلاً كروياً بحتا، إن لم يتغير الحال.

    عرضت القنوات العربية المسلسل الكرتوني “نصف بطل” في تسعينيات القرن الماضي، واسمه بالإجليزية “Miracle Giants Dome-kun”، وكان عبارة عن كرتون ياباني يتناول لعبة البيسبول، وتجربة طفل عمره 10 سنوات بالتحول إلى الأسطورية في اللعبة رغم مواجهة خصوم كبار وعمالقة اللعبة.

    كنت من جيل الأطفال آنذاك، وأذكر أننا حاولنا لعب البيسبول في شوارعنا طوال فترة الصيف، رغم عدم جاهزيتها لذلك، وحتى أننا لم نجد المضرب الخاص باللعبة، فقمنا باستخدام مضرب الريشة الطائرة، وصممنا كرة من ورق حتى نكمل لعبتنا، من دون أن يتم كسر المضرب.

    قد لا يكون المزاج العام، ولا الخبرات الموجودة أو البنية التحتية جاهزة للعبة مثل البيسبول، لكنها كذلك بالنسبة لعدة رياضات أخرى مثل السباحة وكرة السلة وكرة اليد وألعاب القوى.

    المجر دولة تقارب كثير من الدول العربية من حيث القوة الشرائية، وحتى الطبيعة الاجتماعية البيروقراطية، وقد حققت 175 ميدالية ذهبية أولمبية عبر تاريخها، منها 37 ميدالية ذهبية في مبارزة سيف الشيش و28 ميدالية ذهبية في السباحة، وما زال هناك برنامج كامل لديهم يشجع الأطفال على الالتحاق بهذه الرياضات.

    ولا يمكن في ذات الوقت تجاهل أن المجر حتى الآن الأكثر حصداً للميداليات الذهبية في لعبة كرة القدم الأولمبية (3 ميداليات ذهبية)، وذلك بالاشتراك مع منتخب بريطانيا العظمى، لكن هذا لم يمنعهم من رسم استراتيجية مختلفة، تناسب قدرات البلاد الاقتصادية، وتناسب البنية التحتية والخبرات المتوفرة، لخلق نجاح مستدام.

    ما يحدث الآن في وسائل الإعلام الجديد خطير جداً، فهو يسمح لكرة القدم بأن تأكل كل الرياضات الأخرى، بل ليس هناك من يشعر بالتقصير في هذه المسألة، وهي حالة ستؤثر على اهتمام سلسلة من الأجيال المقبلة، حتى نصل لوضع مشابه للوضع الهندي السابق مع رياضة الكريكيت، حيث لم يكونوا يعرفوا أي رياضة غيرها، لدرجة تم اعتبارها ديانة في وسائل الإعلام.

    رغم هذا الهوس الهندي في رياضة الكريكيت، فقد حققت بطولة العالم مرتين فقط، مقابل 5 لأستراليا، في حين أن الدولة الذي يزيد عدد سكانها عن مليار، وينتشر كثير من حملة جنسيتها حول العالم حتى لا تكون الحجة اقتصادية فقط، عجزت عن تحقيق أكثر من تسع ميداليات ذهبية في تاريخها الأولمبي.

    تحول وسائل الإعلام التقليدية لمشاريع مرنة على شبكات التواصل الاجتماعي، ووضع استراتيجيات واضحة قابلة لقياس نتائجها من الاتحادات المحلية لنشر الوعي بطريقة ترفيهية أو جاذبة برياضاتها، هو السبيل الوحيد ألا تصبح الرياضات الأخرى، ملجأً فقط لمن يفشل بأن يصبح لاعب كرة قدم!

    كلمات مفتاحية