بعد نيل الديوك كأسهم الذهبية الثانية في تاريخهم في 20 سنة وذلك بعد منافسة المحارب الكرواتي حتى رمقه الأخير في المونديال، نلقي نظرة على الدروس المستفادة من بطولة يصعب وصفها بإختصار.

أول هذه الدروس وأهمها هى بداية النهاية لسقوط حكم ملكي كرة القدم ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو. ففي أفضل بطولات اللعبة، عانى اللاعبان في تقديم ما يكفي لتحقيق اللقب أو الصعود لما هو أعلى من دور الـ16 في ظل بزوغ نجوم جدد مستعدة لملء فراغهم. حتى رونالدو وميسي قد باشرا بخطة لتعاملهما مع السنوات القليلة المتبقة لهما من تقديم أفضل ما عندهما للصمود قدر المستطاع في القمة ليعطونا وقتاً كافياً للتأقلم مع نهاية عقد كامل من هيمنتهما على الكرة الذهبية وساحات كرة القدم.

France v Croatia - 2018 FIFA World Cup Russia Final

ثانياً، أهمية دخول التكنولوجيا عالم كرة القدم وتأثيرها الفعّال في نتائج مبارياتها. فرغم غموض تراجع مرّات استخدام تقنيّة حكم الفيديو بعد نهاية دور المجموعات في المونديال وتقييم الفيفا حينها للمستوى التحكيمي والتي اوضح فيها بييرلويجي كولينا رئيس لجنة الحكام في الفيفا بأن ارتفاع نسبة دقة قرارات الحكام الصحيحة من 95% لـ99.3% بعد لجوئهم لتقنية حكم الفيديو هو تحسّنٌ لا يستهان به ، إلّا أنها لم تستخدم بقدر ما أِستُخدمت في دور المجموعات. وهذا ما سعى في تحليله البعض نتيجةً لما أضافه كولينا عن تحليل المستوى التحكيمي بعد دور المجموعات في كأس العالم عن أن هناك بضعة مشاكل مما هو وارد لصعوبة وصولهم للمثالية من استخدامهم لها وهو ما أفاد أهمية دورهم في تحسين تلك المشاكل.

ثالثاً، تنوع أهمية دور المدرب في منظومة الفريق أو المنتخب. فهناك منتخبات مثل الأرجنتين أثبتت أهمية وجود مدربٌ قادر على استخدام عناصره وتوليفها في صورة متناغمة وهو ما افتقر إليه خورخي سامباولي المقال مؤخراً. ونفس الشيء ينطبق على المتادور الإسباني الذي عانى مستواه الأمرّين بعد إقالة مدربه جولين لوبوتيجي ليلة انطلاق البطولة للجوء لمدير المنتخب الرياضي فيرناندو هييرو المستقيل مؤخراً ليقودهملإقصاء مبكّر من منظّم البطولة. وعلى جهةٍ أخرى، لم نشعر بوجود دور فعّال للمدرب مع بطل العالم الحالي فرنسا أي أهمية. فاعتمد أداء المنتخب على مهارة لاعبيه الفطريّة وتعاملهم مع الكرة الطبيعي. ليس ذلك فحسب، إذ أرى أن وجود ديديه ديشامب كاد أن يطيح بفرنسا بتبديلاته غير المؤثرة وحذره الشديد في حفاظه على النتيجة فور تسجيله وجموده التكتيكي وثباته على خياراته أيّأً كانت سلبيّة مردودهم على أرض الملعب أمثال أولفيه جيرود الذي لم ينجح في التسديد على المرمى رغم وجوده أساسياً طوال مباريات البطولة. إلّا أنها تظل نظرية اعترضتها أمثلة عدّة على مر الزمن وعلى رأسها حقبة جلاكتيكوس الريال التي عانت في تحقيق الألقاب رغم غزارة نجومها.

France v Croatia - 2018 FIFA World Cup Russia Final

رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون يواسي أفضل لاعب في البطولة وقائد منتخب كرواتيا لوكا مودريتش تحت أنظار رئيسة كرواتيا كوليندا غرابار كيتاروفيتش

رابعاً، تحسّن مستوى حراس المرمى بشكل ملحوظ. فمن وجهة نظري، أحد ألقاب هذه البطولة هو “بطولة الحرّاس.” إذ تألق حرّاس منتخبات عدّة لم ننساهم حتى بعد رحيل منتخباتها المبكر أمثال كيلور نافاس (كوستاريكا) وغييرمو أوتشوا (المكسيك) وكاسبر شمايكل (الدنمارك) ومن العرب أمثال معز حسن (تونس) ومحمد الشناوي (مصر)، هذا دون ذكر أبطال الأدوار الإقصائية النهائية هيغو لوريس (فرنسا) وسوباسيتش (كرواتيا) وثيابوت كورتوا (بلجيكا) وجوردان بيكفورد (إنجلترا). وفي ظل بحث فرق كبيرة حالياً عن حراس أمثال ريال مدريد وليفربول وتشيلسي، فمن المؤكد ستكون هذه البطولة حلّاً لتساؤلاتهم

.خامساً وأخيراً، أهمية روح المنافسة والسعي وراء الفوز أيّا كانت الصعاب، فإن لم يكن هذا المونديال “بطولة الحراس” فهو من المؤكد “بطولة الأحصنة السوداء.” فهم من خاضوا الدور الأمثل في هذه البطولة في إحباطهم لتوقعاتنا وسهرنا بأهدافهم المتأخرة. قد يقول البعض أنهم سلبونا متعة ولذًة كرة القدم من أداء، خاصةً بإقصاءهم لمن انتظرنا منهم ذلك، إلّا أنهم منحونا روح مماثلة “للثعالب” وهم ليستر سيتي، في كأس العالم وهى روحٌ أتت بفريقٍ نجا من الهبوط في 2014 – 2015 ليحققوا أفضل عودة وألذ وليمة كرويّة بحصدهم لقب كأس الدوري الأفضل في العالم. فما حققته كرواتيا بوصولها لأول نهائي كأس عالم لها بعد خوضا ستّة أشواط إضافية في ثلاث مباريات متتالية، عادت فيها كلها من تأخر بالنتيجة لتفوز هو خير دليل على أهمية إيمان اللاعبين بتحقيق الفوز.

وقس على ذلك روسيا، أضعف منتخب شارك في تاريخ كأس العالم (المركز الـ70)، التي تصدرت مجموعتها وأقصت الإسبان من ركلات الترجيح وكادت تقصي كرواتيا منها. إضافةً للسويد التي أقصت هولندا وإيطاليا من تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم وأحرجت الألمان بتصدّرها مجموعتها وأثبتت هشاشة “أسطورة زلاتان إبراهيموفيتش” بوصولها لربع نهائي كأس العالم بدونه وهو ما لم يستطع تحقيقه معهم.

للتواصل مع الكاتب