بالنسبة لمشجعي كرة القدم فإن سنة 2018 تعني شيئاً واحداً فقط: كأس العالم. وإلى حين وصولنا للحظة المنتظرة يوم الرابع عشر من حزيران دعونا نأخذ نظرة سريعة إلى الماضي لنرى كيف انتشرت كرة القدم في كل من البلدان المشاركة في كأس العالم 2018؛ واليوم الحديث عن أحد أمتع منتخبات العالم والأنجح في تاريخ كأس العالم: البرازيل


سواء كنت من مشجعيهم أم لا، عليك الاعتراف بأن كرة القدم تبدو أجمل بين أقدام البرازيليين. اللعب الجميل والممتع المليء بالفنيات والمراوغات يعتبر ماركة مسجلة باسم البلد الذي منحنا عبر التاريخ أسماء خالدة في كرة القدم كبيليه، سقراط، جارينشيا، رونالدو، ريفالدو ورونالدينهو وغيرهم الكثيرون. لكن هذه المتعة التي تناقلتها أجيال السامبا بدأت من لحظة مؤلمة جداً في تاريخ البرازيل: لحظة خسارة البرازيل لكأس العالم 1950 على أرضها وبين جمهورها.

حتى العام 1950 لم تكن البرازيل قوة كروية عظمى كما هي اليوم. حيث لم يلعب المنتخب البرازيلي أولى مبارياته الدولية حتى العام 1914 (خسارة أمام الأرجنتين بثلاثية نظيفة) بالرغم من أن كرة القدم دخلت البلاد، عبر رجلين إسكتلنديين مهاجرين، في تسعينيات القرن التاسع عشر. وفي الفترة التي سبقت استضافتها لكأس العالم لم تفز البرازيل بكوبا أميركا سوى 3 مرات (1919, 1922, 1949) مقابل 9 مرات للأرجنتين و8 مرات للأوروجواي. مشاركات البرازيل في كأس العالم لم تكن أكثر نجاحاً: حيث خرجت من الدور الأول في نسختي 1930 و1934 واستطاعت الوصول لنصف نهائي آخر نسخة أقيمت قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية. الدمار الذي شهدته مختلف أنحاء أوروبا جعل الفيفا تقبل عرض البرازيل لاستضافة نسخة 1950 دون تفكير أو جدل مطوّلين. استضافة البطولة كان فرصة للبرازيليين لإثبات أنفسهم على الساحة الكروية اسوة بجيرانهم في الاوروجواي والأرجنتين الذين كانوا من أهم القوى الكروية.

وبالفعل فإن استعدادات البرازيل على المستوى الكروي كانت ممتازة. حيث اكتسح منتخب السيلساو كافة جيرانه في كوبا أميركا 1949، التي أقيمت على أرضه، مسجلاً 46 هدفاً في 8 مباريات فقط في طريقه للقب البطولة. لذلك فإن المعنويات في كافة أنحاء البرازيل كانت عالية جداً قبل انطلاق البطولة. وبالفعل، فقد قدمت البرازيل، بقيادة ادمير وزيزينيو، أداءً رائعاً خلال البطولة. حيث تجاوزت مجموعتها بسهولة بعد انتصارين على المكسيك ويوجسلافيا وتعادل مع سويسرا، لتصل إلى المجموعة النهائية التي كانت ستحدد البطل من خلال دوري من مرحلة واحدة بين فرقها الأربعة، أي بنفس نظام مجموعات كأس العالم (نسخة 1950 هي النسخة الوحيدة التي لم تُلعب فيها مباراة نهائية، بل كان البطل هو الفائز بالمجموعة النهائية). البرازيل بدأت الدور النهائي باكتساح السويد بسباعية وألحقتها بسداسية في مرمى اسبانيا لتصل إلى المباراة الأخيرة ضد الأوروجواي وهي بحاجة لتفادي الهزيمة فقط لتصبح بطلة العالم للمرة الأولى. وبما أن الأوروجواي كانت تملك فرصة الفوز بالكأس أيضاً من خلال فوزها بالمباراة، فقد اصطلح على تسمية لقائهما بنهائي البطولة، بالرغم من أنه لم يكن نهائياً بشكل رسمي.

ملعب ماراكانا 1950

ملعب ماراكانا 1950

صحف البرازيل من شمالها لجنوبها أجمعت في صبيحة السادس عشر من تموز بأن منتخب بلادهم سيفوز على الأوروجواي بسهولة. هذه الثقة المفرطة جاءت بسبب معاناة الأوروجواي في مباراتيها أمام اسبانيا والسويد (تعادل أمام اسبانيا وفوز صعب أمام السويد) وبسبب ثقة الجميع بأن المنتخب الذي خسر بخماسية من البرازيل في كوبا اميركا 1949 لن يتمكن من التغلب عليهم. صحيفة O Mundo ذهبت لحد وضع صورة منتخب البرازيل على صفحتها الأولى مع عنوان “هؤلاء هم أبطال العالم”. بينما قامت اللجنة المنظمة للبطولة بصنع 22 ميدالية ذهبية تحمل كل منها اسم أحد لاعبي منتخب البرازيل، وتم تأليف اغنية خاصة بفوز البرازيل وتجهيزها ليتم غنائها بعد “النهائي”.

وفي الوقت الذي كان فيه البرازيليون مشغولون بالتجهيز لاحتفالهم العظيم، كان لاعبو الأوروجواي يزدادون غضباً وتصميماً. كابتن الفريق اوبديليو فاريلا جلب عدة نسخ من عدد O Mundo الذي ذكرناه سابقاً ووضعها في حمام غرفة منتخب الاوروجواي في الماراكانا وشجع زملائه على التبول عليها. فاريلا ذهب لحد الطلب من زملائه بتجاهل تعليمات مدربهم خوان لوبيز الدفاعية قائلاً “خوان رجل جيد لكنه مخطىء، إن دافعنا أمام البرازيل فسيكون مصيرنا كمصير اسبانيا والسويد”. العديد من لاعبي منتخب الاوروجواي أكدوا بأن الخطاب الذي ألقاه فاريلا لعب دوراً كبيراً في تحفيزهم وربما في النتيجة النهائية للمباراة.

المباراة كانت استثنائية من البداية حيث احتشد حوالي 200 ألف مشجع في مدرجات الماراكانا في رقم لن يكسر على الأغلب في تاريخ كؤوس العالم. البرازيل بدأت المباراة بنفس الأسلوب الهجومي الذي اعتاد عليه جمهورها، لكنها وجدت دفاعاً صلباً لم تتمكن من اختراقه حتى ثاني دقائق الشوط الثاني. جمهور الماراكانا لم يكترث بالهدف الذي سجله شيافينو في الدقيقة 66 كون التعادل كان يصب في مصلحة السيلساو. لكن الماراكانا دخل في حالة صمت مرعبة عندما سجل غيشيا الهدف الثاني قبل 11 دقيقة من النهاية عبر تسديدة فشل حارس البرازيل باربوزا في ابعادها. غيشيا قال في مقابلة حديثة بأنه واحد من ثلاثة أشخاص أسكتوا ملعب الماركانا بالكامل بجانب بابا الفاتيكان وفرانك سيناترا.

البرازيل، كبلد كامل وليس كمنتخب فقط، دخلت في حالة من الصدمة مع صافرة النهاية. حالة تعتبر حتى اليوم من أقسى الأيام التي مرت على تاريخ البرازيل. حالة أدت إلى كل هذه الأحداث:

  • تم الاستغناء عن القمصان البيضاء التي اعتمدها المنتخب حتى ذلك الوقت وتنظيم مسابقة وطنية لتصميم قمصان جديدة، ليتحول لون القميص إلى الألوان التي نعرفها اليوم؛
  • اثنان من الجمهور الحاضر في الماراكانا انتحرا بعد صافرة النهاية مباشرة؛
  • تم لوم حارس المنتخب باربوزا على الخسارة وتم ابعاده عن المنتخب ومضايقته والبصق عليه في الشوارع. باربوزا فشل في إيجاد أي وظيفة داخل كرة القدم بعد اعتزاله وحتى أن الجهاز الفني لمنتخب البرازيل رفض استقباله في احدى المرات التي زار فيها بارابوزا اللاعبين ليتمنى لهم حظاً جيداً. عام 2000، وقبل وفاته بأشهر، قال باربوزا في مقابلة صحفية “أقصى عقوبة في البرازيل تصل لثلاثين عام، بينما أنا ما أزال أدفع ثمن جريمة لم أرتكبها لخمسين عام. حتى المجرمون يسامحون بعد أن يردوا دينهم للمجتمع بينما أنا لم يسامحني أحد”.
  • وفي صدفة غريبة جداً، كان غيشيا، مسجل الهدف الثاني للأوروجواي، آخر اللاعبين الذين شاركوا في المباراة على قيد الحياة ومن ثم توفي في السادس عشر من تموز 2015 أي بعد 65 سنة بالظبط على هدفه الأسطوري.

البرازيل أعادت الكرة وصدمت جمهورها بخسارتها المذلة في نصف نهائي كأس العالم أمام المانيا على أرضها، ولكن لا أحد في البرازيل يشكك ولو للحظة بأن “فاجعة الماراكانا” هي أسوأ لحظة كروية في تاريخ البرازيل.

فيديو مهم : أسباب تراجع برشلونة في العام 2018