كيف فقدت إنجلترا سطوتها على كرة القدم؟

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • كرة إنجلترا

    بالنسبة لمشجعي كرة القدم فإن سنة 2018 تعني شيئاً واحداً فقط: كأس العالم. وإلى حين وصولنا للحظة المنتظرة يوم الرابع عشر من حزيران دعونا نأخذ نظرة سريعة إلى الماضي لنرى كيف انتشرت كرة القدم في كل من البلدان المشاركة في كأس العالم؛ واليوم الحديث عن بطلة نسخة 1966 و”مهد كرة القدم” إنجلترا

    من تابع الحلقات الثلاث الأولى من هذه السلسلة يدرك أن جميعها، وجميع الحلقات التالية، بدأت وستبدأ بالتأكيد على أن كرة القدم وصلت إلى معظم دول العالم عبر المهاجرين الانجليز؛ لكن بما أننا سنتكلم اليوم عن مهد كرة القدم فسيكون بإمكاننا تجاوز هذه الفقرة والإنتقال فوراً إلى موضوعنا الأساسي: كيف انتقلت إنجلترا من البلد الذي تلجأ كل دول العالم إليها لتتعلم كرة القدم، إلى البلد الذي لا يوجد في دوريه خلال كتابة هذه الكلمات سوى 5 مدربين انجليز ويستعصي على منتخبها هزيمة منتخب كآيسلندا؟ وإن كنتم تظنون أن الإجابة على هذا السؤال لا تتطلب العودة كثيراً إلى الماضي فانتم مخطئون.

    بدايات القرن العشرين شهدت ظهور البطولات، الاتحادات، والمنتخبات الوطنية في البلدان التي مارست كرة القدم بشكل غير منظم خلال العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر. مما أدى إلى حرص دول العالم على تطوير مستواها عن طريق توظيف المدربين الانجليز. ونحن هنا لا نتكلم عن حرص الدول الأخرى على جلب أهم وأفضل المدربين أو اللاعبين السابقين من إنجلترا، فأي لاعب سابق انجليزي كان كافياً. حيث أن النظرية السائدة في ذلك الوقت كانت أن معرفة أي لاعب إنجليزي سابق عن كرة القدم وفنونها، بغض النظر عن مستواه، كانت تفوق معرفة أي شخص آخر. ولحد ما، وفي فترة زمنية معينة كانت هذه النظرية صحيحة 100%. لذلك فقد كانت مكاتب الاتحاد الإنجليزي تغرق بالرسائل التي تطلب من مسؤولي الاتحاد ترشيح أحد لاعبيهم للتدريب في أحد البلدان. وبالفعل، فقد أبدت إنجلترا رغبة كبيرة في تعليم لعبتها المفضلة للعالم.

    أسماء المدربين الانجليز الذين نشروا فنون اللعبة في أوروبا قد تبدو مغمورة للقارئ، العربي والانجليزي، اليوم لكنها أساطير خلدها تاريخ البلدان التي عملوا بها. ففي الحلقة السابقة تحدثنا عن فريد بينتلاند الذي كان له شأن كبير في نشر تقنيات كرة القدم في اسبانيا وساعد منتخبها على هزيمة الانجليز عام 1929، ومازال يذكر اسمه اليوم كأهم من مروا على اثليتيك بلباو واسبانيا. بينتلاند لم يكن وحيداً في اسبانيا حيث جاوره كذلك جاك غريينويل الذي درب برشلونة لسبع مواسم متتالية (رقم لم يكسر حتى قدوم يوهان كرويف) وقاد حقبة مميزة في تاريخ النادي الكتلوني، قبل أن يصبح المدرب الوحيد من خارج أميركا الجنوبية الذي استطاع الفوز بكوبا أميركا مع البيرو عام 1939.  وفي شرق القارة العجوز كان لجيمي هوجان دور لا يمكن التقليل من شأنه في وضع الأسس لمنتخبي النمسا والمجر والذين كانا من القوى الكروية العظمى في النصف الأول من القرن السابق، وخصوصاً منتخب المجر الذي كان أول منتخب يهزم الإنجليز في عقر دارهم ويجبرهم على التفكير للمرة الأولى بأنهم ربما لم يعودوا أسياد العالم. رئيس الاتحاد المجري قال بعد المباراة للصحفيين الانجليز بأن جيمي هوغان علمنا كل شيء عن كرة القدم.

     لكن أكثر الأسماء التي طواها النسيان ربما يكون جورج راينور الذي وصل بمنتخب مغمور كالسويد للفوز بذهبية أولمبياد 1948، المركز الثالث في كأس العالم 1950 ومن ثم الوصول لنهائي كأس العالم 1958 (إنجلترا غادرت كلا النسختين من دور المجموعات). إنجازات راينور ستبدو أكثر إثارة للدهشة عندما تعلم أن قوانين الاتحاد السويدي حينها منعت اللاعبين المحترفين من تمثيل المنتخب الوطني، ولذلك كان على راينور بناء منتخب جديد تقريباً بعد كل نجاح بسبب احتراف معظم نجومه في إيطاليا.

    لكن هذه الظاهرة كانت سيفاً ذو حدين. فالعقلية الإنجليزية التقليدية، التي تأثرت كثيراً بالامتداد الجغرافي والثقافي الهائل للإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، لم ترى أي فائدة في مراقبة أداء أبنائها الذين أرسلتهم للخارج أو أداء أي دولة أخرى في كرة القدم وبقيت مؤمنة بأن جيرانها الأوروبيين لن يضلوا يوماً لمستواها وأن أي تطور تقني أو تكتيكي في اللعبة سينبع من دوريها ومنتخبها بدلاً من الخارج. لذلك فقد استمرت “مهد كرة القدم” بالاعتماد على القوى البدنية والكرات الطويلة في أسلوب لعبها دون أن تظهر يوماً أي رغبة في التعلم؛ بينما تابع “مدربوها في المنفى” تطوير كرة القدم وتقديم تكتيكات وفنيات جديدة لبلدانهم الجديدة: ومن هنا بدأت المشكلة.

    معظم الأسماء التي ذكرناها، والتي تمثل عينة صغيرة جداً من الأعداد الهائلة للمدربين الانجليز في الخارج، لم تنجح في إقناع أي نادي انجليزي أو حتى الاتحاد الإنجليزي في توظيفها. راينور ذهب لحد نشر سيرته الذاتية عام 1960 والتي تمحورت بالكامل حول أسباب تراجع إنجلترا كرويا، ولكن الاتحاد الإنجليزي رفض حتى التفكير في توظيف مدرب وصل لنهائي كأس العالم أو الاستماع لأصوات الصحفيين المتعالية التي تحذر من التقدم الرهيب الذي تحرزه دول القارة الأوروبية. أسوأ ما في الموضوع أن خبر وفاة كل من المدربين المذكورين أعلاه لم يظهر في أي من الصحف الإنجليزية الكبرى بينما نعتهم بلدانهم الثانية كما ينعى القادة التاريخيون.

    النصف الثاني من القرن العشرين شهد تراجعاً تدريجياً للطلب على المدربين الانجليز، لكن دون أن يترك بعضهم بصمة مهمة في تاريخ اللعبة الجميلة. أهم هؤلاء فيك بكنجهام الذي سبق راينوس ميتشيلز في تدريب كل من أياكس (حيث منح شاباً نحيفاً يدعى يوهان أولى مبارياته مع الفريق الأول) وبرشلونة ويعتبر الكثير من المؤرخين بأن له دوراً مهما في تمهيد الطريق لميتشلز لتأسيس مدرسة الكرة الشاملة. لكن بالمقابل، فإن نزعة الانجليز الانعزالية والرافضة بالاعتراف بتقدم التلاميذ على المعلم بقيت مستمرة حتى أتى البريميرليج وتحول الدوري الإنجليزي إلى دوري عالمي، ولكن ذلك كان، كما يقول المثل العربي، بعد أن سبق السيف العذل.