ريال مدريد × بايرن ميونخ

في العادة يتجنب الصحفيين والمحليين الحديث عن الأخطاء التحكيمية في المباريات الكبيرة وعندما تتعلق بفرق تملك شعبية هائلة، هذه قاعدة أصبحت “عُرف” في مجال التحليل الرياضي بجميع أنواعه، وما حدث في مباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ لم يكن ليكسر هذه القاعدة لولا أننا وجدنا البعض يحاول إغلاق عينيه وتغييب وعيه لكي لا يرى الحقائق، ولولا أيضاً أنه كان هناك كمية لا تصدق من الأخطاء التحكيمية التي غيرت مسار المباراة عدة مرات وليس مرة واحدة فقط.

هذه المرة قررنا المجازفة، وسنتكلم بشكل مباشر، فلن نقوم بلوي الكلام، وسنطرح وجهة نظرنا التي ستغضب طرف في هذا النزاع، وربما الطرفين، ودور القارئ هنا أن يحاول إدراك طرحنا جيداً، من ثم يبدأ القيام بعمليات تفكير منهجية، وإن وجد أن الطرح غير منطقياً فاليقدم لنا عدم منطقيته دون إلقاء التهم بشكل عشوائي واستعراض نقاط أخرى لم نتطرق لها أساساً، هذا المقال ما هو إلا تحدي لكل من يقول أن الأخطاء التحكيمية ليست جزءاً من اللعبة، وبحالتنا هذه، لمن يقول أن ريال مدريد لم يستحق العبور إلى نصف النهائي.

دعونا نضع القواعد أولاً

يجب علينا جميعاً أن نتفق على الحالات التحكيمية قبل أي شيء، فالإعادة البطيئة والصور سهلت مهمتنا بشكل واضح لاكتشاف الأخطاء، ويمكننا بكل بساطة لو نحينا التعصب جانباً أن نضع أيدينا عليها جميعها، لكن ورغم ذلك سوف نذهب لما أجمع عليه الخبراء التحكيميين، سواء كان جمال الشريف في قنوات بي إن سبورت، أو خبراء آخرين من الصحف الإسبانية والعالمية.

أول لقطة أخطأ بها الحكم هي عدم طرد أرتورو فيدال مع بداية الشوط الثاني بالبطاقة الصفراء الثانية عندما تدخل بعنف على كاسيميرو، ثم توالت الأخطاء بعد ذلك، بمنع ليفاندوفسكي بالإنفراد بكيلور نافاس، ثم احتساب هدف غير شرعي لبايرن ميونخ (الهدف الثاني)،  وعدم طرد كاسيميرو في لقطتين وربما ثلاثة، طرد أرتورو فيدال، بعد ذلك احتساب هدفين غير شرعيين لريال مدريد أحزرهما كريستيانو رونالدو بخطأين تحكيميين ساذجين كان يمكن ملاحظتهما بالعين المجردة، ولم يكن هناك داعي للإعادة كي نكتشف أن الدون كان يقف في موقف تسلل في اللقطتين.

اعتقد أن الجميع متفق على هذه الأخطاء من جماهير الفريقين وجماهير الفرق المحايدة أيضاً باستثناء هدف بايرن ميونخ الثاني، حيث يرى البعض أن ليفاندوفسكي المتسلل بشكل واضح لم يلمس الكرة أساساً وبالتالي الهدف شرعي بنسبة 100%، لكن في الواقع هذا كلام غير سليم بتاتاً، لأن التسلل أساساً يقع إن كان اللاعب المتسلل قد ساهم في اللقطة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يعني أن سيرجيو راموس لم يكن ليرتبك في اللقطة وربما لما خرج نافاس عن مرماه لو لم يكن ليفاندوفسكي قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على الكرة، لذلك من السذاجة المناقشة في هذه المسألة أساساً، فالهدف غير شرعي بشكل لا يقبل مجال للنقاش.

لا شك أن الأخطاء التي استعرضناها تصب في مصلحة ريال مدريد أكثر ما تصب في مصلحة بايرن ميونخ، فهناك 4 أخطاء واضحة بشكل صريح لصالح الفريق الملكي، مقابل خطأين ضده فقط، لكن هل تقاس الأمور هكذا؟

نظرية “تأثير الفراشة” .. خطأ واحد تسبب في كارثة تحكيمية لن تنسى

هي نظرية فيزيائية فلسفية لا يمكن دحضها بأي شكل من الأشكال، والتي تقول مجازاً “إن كان هناك فراشة ترفرف في الصين قد تساهم في تسبب أعاصير في قارات بعيدة”، والقصد هنا أن أي حدث مهما كان بسيطاً سيكون له سلسلة من الأحداث الأخرى وكل ما سيحدث بعده سيكون مبنياً عليه.

لنفرض أن شخص قرر الذهاب للتسوق ثم حدث أمر ما ولم يتمكن من تحقيق مراده، فحياته بعد ذلك ستكون مختلفة تماماً لو أن الأمر الطارئ لم يحدث وذهب للتسوق فعلاً، هذا من الناحية الفلسفية، أما من الناحية الفيزيائية والرياضية فقد استطاع العديد من العلماء برهنة تأثر حركة كل جسم في الفضاء بحركة جميع الأجسام الأخرى بنسب متفاوتة.

ماذا نستفيد من هذه النظرية المعقدة؟

الفكرة هنا أن الخطأ التحكيمي الأول هو من له التأثير الأكبر على مجريات الشوط الثاني والأشواط الإضافية في مباراة ريال مدريد والبايرن، لأنه لو اتخذ الحكم القرار الصحيح لذهبت المباراة بمسار مختلف تماماً ولم نكن لنشهد الكوارث التي حدثت بعد ذلك، أو ربما شاهدنا أخطاء تحكيمية من نوع آخر، وخلاصة هذا الكلام أن المتضرر من الخطأ التحكيمي الأول هو من تعرض للظلم.

الخطأ الأول للحكم كان يتمثل بعدم طرد أرتورو فيدال عندما تدخل بعنف على كاسيميرو، لقطة تستوجب بطاقة صفراء بلا أدنى شك، يمكنك ملاحظة النجم التشيلي يدهس قدم كاسيميرو في الصورة المرفقة، وفي لوائح قانون التحكيم هذه الحالة تستوجب إنذار دائماً، وأحياناً بطاقة حمراء إن كانت متعمدة وبخشونة.

vidal

هذه اللقطة حدثت في الدقيقة 48، عندما كانت النتيجة (0-0)، ولكم أن تتخيلوا كيف كانت ستسير المباراة لو أشهر الحكم الإنذار الثاني في وجه فيدال خلال تلك اللقطة وقام بطرده من الملعب، فبلا شك كان ريال مدريد سيتسيد المباراة كما فعل ذهاباً، وكما فعل في الأشواط الإضافية، لكن هذه المرة والبايرن يحتاج لهدفين كي يتأهل ولم يكن قد أحرزهما بعد، فلو تم طرد فيدال حينها لربما غادرت جماهير بايرن ميونخ “القليلة” ملعب سانتياجو برنابيو لأن العودة ستصبح مستحيلة بجميع المقاييس.

إن لم تقتنع بنظرية أثر الفراشة

إذا كان هناك شخص يرفض الخضوع للمنطق ويرى أن كل ما ذكرناه ليس مبرراً كي يعبر ريال مدريد الذي كان متفوق بإجمالي الأداء وبلغة الأرقام، فهنا يجب أن نطرح الأمور بنفس المعايير “السطحية” التي يؤمن بها هذا الشخص.

طرد فيدال، طرد كاسيميرو، هدف غير شرعي للبايرن، هدفين غير شرعيين لريال مدريد، حالة تسلل غير موجودة على البايرن ولنعتبر أن ليفاندوفسكي قام بتحويلها إلى هدف رغم أن ذلك ليس مضموناً، الحصيلة النهائية لكل هذا أن ريال مدريد سيعبر أيضاً بنتيجة التعادل (2-2) وبإجمالي المباراتين (4-3).

بالتأكيد لا يمكن قياس ما حدث بهذه الطريقة الطفولية، فالحالات ليست متشابهة، هناك اختلاف في عوامل عديدة مثل توقيت الحالات، مدى صعوبتها على الحكم، عددها، وأخيراً تأثيرها على مجريات اللقاء، لكن هي طريقة فعالة للرد على من يرفض التحدث بعقلانية.

الخلاصة

كما وعدناكم في البداية، قدمنا وجهة نظرنا بشجاعة ودون مجاملات لأي أحد، عرضنا الحقائق كما هي وكما يقول القانون عنها، لكن هذا سيضعنا في دائرة الانحياز لريال مدريد بالنهاية حتى لو اقتنع البعض بما جاء في هذا المقال، لأن خلاصة القول أن الريال استحق التأهل بجميع الظروف ومن جميع الجوانب التي يتم النظر بها للأخطاء التحكيمية.

والسؤال هنا، لماذا نريد إثبات أن ريال مدريد استحق التأهل إن لم يكن كذلك فعلاً؟ وبسؤال توضيحي آخر؛ ما الشيء الذي سنجنيه من الدفاع عن الريال؟ والسؤال الأخير؛ هل الكاتب أو الصحفي أو المحلل الذي يكون “مصدر رزقه” من هذا المجال سوف يقوم بالانحياز لفريق معين لمجرد أنه يشجعه فقط؟ أسئلة يجب التمعن بها وليس الإجابة عليها.

دائماً ما نقول أن الهدف من التقارير والمقالات “التوضيحية” هو عرض شامل لنقاط الجدل وتحليها بشكل منطقي وسليم والكشف عن المغالطات، الصدفة هذه المرة كانت أن المقال أنصف ريال مدريد وجماهيره، لكن بمواضيع أخرى قد يحدث العكس، فبالنهاية هذه مجرد لعبة رياضية ترفيهية، ولا يوجد ما يبرر تزييف الحقائق والتحايل على المنطق مهما كانت الظروف.