في بداية عام 2014 بدأ العمل بقوانين المحركات الجديدة في الفورمولا 1: محركات V6 مع الشاحن التوربيني ونظام استعادة الطاقة الحركية والحرارية.

الفكرة الأساسية من هذا التغيير من وجهة نظر الاتحاد الدولي كانت بصنع وتطوير محركات صديقة للبيئة والاستفادة من التطور الهائل الحاصل في السنين الماضية في مجال السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة والبطاريات.

فقد كان للاتحاد الدولي رأي قائل بأن الفورمولا 1 يجب أن تكون دائما السباقة في تطوير تكنولوجيا السيارات حول العالم وهي التي لطالما كانت حقل التجارب الناجح لمصنعي السيارات السياحية.

وما تواجد رينو ومرسيدس والعديد من الشركات الأخرى إلا مؤشر على ذلك : الاستفادة من تكنولوجيا الفورمولا 1 لتطوير سيارات الطرقات ن ضمن سياق التفكير نفسه, كانت النية أيضا للاتحاد الدولي بإغراء مصنعين آخرين غير المتواجدين في ذلك الوقت (فيراري, مرسيدس, رينو) فقد راهن الاتحاد على جاذبية فكرة المحركات الهجينة بحكم اكتساح هذه التكنولوجيا للسيارات السياحية العادية.

لكن بعد أربع سنوات من المحركات الجديدة لم نجد مصنع محركات جديد في عالم البطولة إلا هوندا والجميع يعلم المشاكل الكارثية التي تعاني منها الشركة اليابانية, فما الذي حصل؟

أولا لا بد من الإشارة إلى التعقيد البالغ لهذا النظام. فوحدات الطاقة الحالية تتألف من عدة مكونات أساسية: محرك الاحتراق ذو الاسطوانات الستة, نظام استعادة الطاقة الحركية, نظام استعادة الطاقة الحرارية, البطارية والمتحكمات الالكترونية.

أضف إلى ذلك طريقة توصيل تلك القطع ببعضها والحجم الصغير جدا لوحدة الطاقة كي تتسع في هيكل السيارة.

وثانيا الأسعار الخيالية للمحركات الجديدة حيث يبلغ ثمن المحرك مع تكاليف التطوير والتصميم حوالي 20 مليون يورو مقارنة ب10 مليون يورو للمحركات القديمة.

كل هذا جعل عامل الجذب للصناع الجدد منخفض جدا خصوصا بعد مشاهدة الجميع لمشاكل الهوندا المتعددة وهبوط علامتها التجارية فمن كان يخطط لدخول معترك الفورمولا 1 أصبح يفكر مرتين قبل خوض المغامرة. ولدينا في كل من استون مارتين وبورشه خير مثال على ذلك.

حيث تقوم كل من الشركتين الآنفتين الذكر حاليا بالتفكير جديا بمعترك قمة رياضة المحركات: الاستون مارتين بدأت بالفعل شراكة تجارية مع فريق الريد بُل مع التفكير مستقبلا بتصنيع محركات أما بورشيه فتدرس إمكانية فتح خط تصنيع محركات فورمولا 1 وأيضا سيارات أي فريق مصنعي متكامل على شاكلة الفيراري والمرسيدس.

ولكن في الحالتين, فإن القرار لن يتخذ في عصر المحركات المعقدة الحالية للأسباب التي ذكرناها آنفا: التكلفة العالية والتعقيد. ناهيك عن أن أي مغامرة فاشلة قد تؤدي إلى ضرر كبير في اسم كل من الشركتين العريقتين ففضل كلا من الصانع البريطاني والألماني إلى التريث لحين صدور قرار المحركات الجديدة لموسم 2021. حيث تنتهي اتفاقية المحركات الحالية الهجينة نهاية عام 2020 ويبقى الحديث حول إمكانية تجديد هذه التكنولوجيا أم التحول إلى محركات أبسط وأرخص.

يبدو و كأن الآراء تميل إلى الحفاظ على وحدات الطاقة الهجينة مع التوربو ولكن تبسيطها بشكل جذري والاستغناء عن نظام استعادة الطاقة الحراريةMGU H  بسبب تعقيده الشديد وأثره الكبير في إخماد صوت السيارات الأمر الذي أزعج المتابعين جميعا.

بغض النظر عما ستؤول إليه نتيجة المباحثات بين الاتحاد الدولي والفرق, فمن الضروري جدا التوصل إلى صيغة ترضي جميع الأطراف وبنفس الوقت تبسط وتخفض التكاليف وذلك من أجل إغراء عديد من الصانعين وخصوصا الصانعين المستقلين أي الشركات التي ليس لها فريق مصنعي.

برأي الشخصي وجود مصنع محركات مستقل مثل كوزوورث على سبيل المثال مهم جدا لصحة الرياضة بشكل عام. فلمصنع المحركات المستقل الحرية في تزويد المحركات للفرق المختلفة ولن يكون محصورا بالضغوطات لتزويد فريق منافس. على سبيل المثال, كلنا لمسنا توتر العلاقة بين رينو وريدبول في موسم 2015 وكيف أرادت الريد البول الانفصال عن مزورد المحركات رينو. ولكن الخيارن المتبقيان (إذا استثنينا هوندا الجريحة طبعا والتي بالأصل كانت مرتبطة بعقد شراكة خصوصية مع المكلارين) هما مرسيدس وفيراري التان تملكان فريقان مصنعيان ينافسان على الألقاب.

وبالفعل رفض كل من الايطاليون والألمان تزويد فريق الريدبول بمحركات قوية وهم يعلمون بأن الريدبول يملكون هيكل سيارة سريع جدا. بكل بساطة لن يقدموا خدمة لمنافس مباشر ومثلما يقول المثل الدمشقي باللهجة العامية “مين بجيب الدب لكرمو” ومن يلومهم؟ فالفريقان لديهما مخطط للتنافس على الألقاب وفريق منافس في مأزق على الرغم من انعدام الروح الرياضية في هذا الموقف يعتبر مكسب كبير.

في النهاية لابد لنا من الإشادة بالجيل الحالي من المحركات الذي حقق نسبت توفير وقود حوالي 35% مقارنة بالأجيال السابقة ولكن على الاتحاد الدولي أن يعترف بأنه ربما ربما تجاوز الحد أكثر من اللازم وعقد المهمة على نفسه وعلى الآخرين فلربما نشاهد فورمولا 1 أكثر إثارة مع أصوات خلابة ومصنعين كثر بعد أربع سنوات.

تابع الكاتب على الفيسبوك : مقالات الفورمولا واحد مع ماهر أجمان