تغريدات كروية(2): أفضل قصة في تاريخ كرة القدم

باسم مهدي 21:31 23/01/2017
  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • ‏ربما لأنهم يعتبرون أنفسهم إنجليزًا أكثر من الإنجليز أنفسهم، اجتمع في الرابع والعشرين من حزيران من العام 2013 أكثر من تسعين ألف أسترالي

    ‏لمشاهدة مباراة فريق محلي وفريق ليفربول الإنجليزي. تسعون ألفًا أو أكثر، هذا العدد من الجماهير لم يجتمع للمنتخب الأسترالي

    ‏الذي سيلعب نهائي كأس أمم آسيا لأول مرّة على أرضه بعدها بعام وسيشاهده ثمانون ألفًا في الملعب فقط.

    ‏ليس ولاء الأستراليين لمنتخبهم أمرنا اليوم، وإنما تلك الأغنية التي هتفت بها حناجر عشرات الآلاف من مرتدي اللون الأحمر في تلك الليلة،

    ‏وهي أغنية «You Will Never Walk Alone».

    تبلغ أغنية «لن تسير وحيدًا أبدًا» من العمر أكثر من خمسين عامًا،

    PROP140413-030-Liverpool_Man_City

    ‏وهي بحسب ويكيبيديا قد صارت أغنية رسمية لنادي ليفربول الإنجليزي منذ العام 1963، وبل أنها كتبت على جدران ملعب الأنفيلد الشهير،

    ‏الملعب الخاص بالفريق الإنجليزي العريق، وفي كل مباراة في مدينتهم، يقف جمهور النادي ذو الشعبية الجارفة على أقدامه ويرفع الرايات الحمر.

    ‏ويغني بأعلى صوت: لن تسير وحيدًا أبدًا.

    غنى الجمهور هذه الأغنية آلاف المرات، في مناسبات حزينة وأخرى سعيدة،

    ‏لكن المناسبة التي ستبقى حاضرة في أذهان الجماهير طويلا،هي تلك المرة التي غنت فيها هذه الأغنيةبين شوطي المباراة الأهم في حياة كل مشجع لليفربول.

    ‏أعني في ليلة الخامس والعشرين من مايو 2005، في مدينة إسطنبول التركية، وفي نهائي بطولة دوري ابطال أوروبا لكرة القدم،

    ‏وستبقى ذكرى تلك الأمسية حاضرة في ذاكرة مشجعي كرة القدم أبدًا على اعتبارها واحدة من أكثر مباريات كرة القدم إثارة وعجائبية.

    ‏الموقعة

    52980145-578636

    كما أن حلم كل فيزيائي الحصول على نوبل، وكل عدّاء الفوز بذهبية الأولمبياد، ، فإن حلم كل لاعب كرة قدم أن يفوز بإحدى الحسنيين

    ‏إما كأس العالم، أو لعب نهائي بطولة دوري أبطال أوروبا، البطولة الأغلى والأجمل والأكثر إثارة ومتابعة على مستوى العالم.

    ‏على مدى نصف قرن أو يزيد من عمر البطولة، فإن فرقًا ثلاثة تمكنت من تحقيق إنجاز تاريخي فيها. هذه الفرق هي ريال مدريد الإسباني (11 مرات)،

    ‏وإيه سي ميلان الإيطالي (مرات 7) وليفربول الإنجليزي (5 مرات). وفي ليلة الخامس والعشرين من أيّار من العام 2005،

    ‏التقى فريقا ليفربول وإيه سي ميلان في ملعب أتاتورك في إسطنبول ليلعبا نهائي البطولة.

    ‏ماالذي يعنية أن تقول لأبنائك مستقبلًاإنك شاهدت هذه المباراةليلة بثها؟ أظن ألّا شيءيعادل هذا الشعور إلّا شعوروالدك إذ يخبرك أنةشاهد مسرحية مدرسة

    ‏المشاغبين في المسرح ذات شباب فرّ واندثر، أو أن يقول لك أحدهم أنه قد شاهد العرض الأول لفيلم «العراب» في السينما.

    ‏الحدث عالمي وتاريخي، والأهم أن ما ستشهده الدقائق التسعون القادمات من إثارة كفيل بأن يشعر كل من أضاع فرصة مشاهدتها بالحسرة.

    ‏وفي مدينة ليفربول كان الوضع كالآتي: المدينة خاوية على عروشها وأشبه ما تكون بمدينة أشباح، الحانات ملئى بالمشجعين

    ‏المغنين المرتدين لألوان الفريق التقليدية بينما ساحات مدينةميلان تعج بالآلاف من المشجعين الذي تجمعواأمام الشاشات العملاقة لمشاهدة فريقهم يلعب

    ‏أما في المدينة التركية الجميلة اسطنبول فكان الوضع مختلفًا بعض الشيء، إذ أن أي زائر للمدينة في ذلك اليوم كان ليقول بلا شك أن المدينة

    ‏وقعت فجأة تحت الاحتلال الإنجليزي، عشرات الآلاف من مشجعي الفريق الإنجليزي يحتلون مساحات المدينة وأزقتها، يشربون البيرة،

    ‏يغنون بصوت مرتفع، ويرتدون اللون الأحمر، بينما كان عدد مشجعي ميلان الذين قرروا الحضور إلى تركيا قليلًا جدًا مقارنة بالإنجليز.

    ‏أما كيف وصل الفريقان إلى المباراة فيكفي أن نقول أن ليفربول قد فاز على كل من: تشيلسي ويوفنتوس قبل الوصول إلى المعركة النهائية،

    ‏بينما فاز ميلان على مانشستر يونايتد الإنجليزي وعلى جاره في المدينة ذاتها، نادي إنتر ميلان.

    ‏كل هذا كان قبل المباراة، أما ما حصل فيها فتلك حكاية أخرى. إذ أن الأمور جرت على النحو التالي:

    ‏أسوأ ما يمكن ان يحدث لفريق ما هو أن يتلقى هدفًا في الدقائق الأولى من المباراة، لكن ما حدث هنا هو أن ليفربول يتلقى هدفًا

    ‏بعد خمسين ثانية فقط من بداية المباراة، يلدغه أفضل مدافع في العالم (باولو مالديني) في مقتل.

    ‏الأمر أشبه بأن تستيقظ من حلم جميل على صفعة. بالتأكيد لم يكن أحد يتوقع أن تكون المباراة سهلة، أو أن يقدمها الفريق الإيطالي على طبق من ذهب،

    ‏لكن هدفًا في الدقيقة الأولى كفيل بإجبار الجماهير على أن تصمت، وكفيل بجعل المدرب يضرب أخماسًا بأسداس.

    ‏ومع مضي الدقائق، يحاول الفريق الإنجليزي استعادة الروح والعودة في المباراة، فسيدد على مرمى الحارس البرازيلي ديدا مرارًا لكن دون جدوى،

    ‏حتى الدقيقة التاسعة والثلاثين التي تتكرر فيها الصفعة، أو ربما نقول أن الصفعة تتحول طعنة في الخاصرة،

    ‏إذ يسجل الأرجنتيني الرائع هرنان كريسبو هدفًا آخر، جاعلًا من الليلة كابوسًا على أربعين ألف متفرج إنجليزي سافروا من بلدهم لتشيجع الفريق الأحمر

    ‏ولأن المصائب لا تأتي فرادى فإن النجم الأرجنتيني يكرر فعلته ويسجلًا هدفًا آخر بعدها بدقائق، الأمر الذي يجبر أحد المعلقين التلفزيونيين

    ‏على هذه المباراة إلى القول أن ميلان يلعب كرة قدم ليست من هذا العالم، و«تصبح على خير يا ليفربول».

    ‏وانتهى الشوط الأول بفوز ميلان بثلاثة أهداف للا شيء.

    ‏وكما حصل الفريقان على استراحة، فلنتوقف هنا قليلًا لنستوعب ما جرى. أسوأ كوابيس أي مشجع لليفربول قد حصل، حالة إحباط عامة

    ‏تسود المدرجات والبيوت والحانات، أما في الجزء الآخر من العالم فإن مشجعي الميلان قد استعجلوا فتح زجاجات الشامبانيا احتفالًا بالنصر

    ‏الذي يبدو أنه سيكون بنتيجة عريضة وغير مسبوقة.

    ‏وعن تلك اللحظات يقول مشجع إنجليزي: «الأمر أشبه بمشاهدة فيلم رعب بشكل بطيء للغاية، لقد تمت تعريتنا وإهانتنا أمام العالم أجمع».

    ‏في غرف الملابس، كان المدرب رافائيل بينيتيز يخاطب اللاعبين محاولًا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أنت ستغادر، وفلان سيلعب، علينا أن نفعل كذا وكذا،

    ‏لكن الحقيقة أن اللاعبين بالكاد كانوا يستمعون إليه، ما زالوا تحت وقع الصدمة، ما زالوا غير عارفين إن كان ما حدث مجرد كابوس جماعي

    ‏سيستيقظون منه بعد قليل ليجدوا أن المباراة لم تبدأ بعد.

    150508121123-liverpool-2005-super-169

    وفي وسط هذا الجو المهزوم تمامًا خرج من المدرجات صوت يعرفه اللاعبون جيّدًا،

    ‏آلاف الحناجر تغني بصوت واحد ما بات أشبه بنشيد وطني لأبناء النادي، هل قلت نشيدًا وطنيًا؟ لا، الليلة كان في صوت الجماهير وأدائها

    ‏لهذه الأغنية أمر مختلف جعل من الأغنية تتحول إلى صلاة، صلاة تخبر اللاعبين بأنه لا بأس، مهما حصل من أمر فنحن معكم، إن كنا سنخسر فلنخسر سويًا،

    ‏وإن كان هناك من أمل فلنبقه حيّا سوية.

    ومع الدقيقة الرابعة والخمسين من عمر المباراة بدا أن زمن المعجزات لم ينتهي بعد،

    ‏ترفع الكرة عاليًا باتجاة منطقة جزاء الميلان ليقفزلها كابتن الفريق ونجمه الأول ستيفن جيراردولو أن روائيًا ما كتب هذاالسيناريو لاتهمناه بالمبالغة

    ‏لكن الواقع كان مصرًّا على أن يكون أغرب من الخيال. يرتقي جيرارد وبرأسية فيها من الحظ بقدر ما فيها من البراعة يضع الكرة في زاوية المرمى

    ‏معلنًا أن ليفربول لا زال حيّا، صارخًا لن نموت من دون قتال.

    ‏يسجل الهدف ويركض مسرعًا نحو دائرة المنتصف ليتم استئناف اللعب، لكن الأهم هو أنه قام بدور القائد كما ينبغي له، أعطى الأمل للاعبين وللجمهور

    ‏وأصر عليهم أن يستمروا. لو تعامل جيرارد مع هذا الهدف على أنه هدف شرفي أو هدف تعزية لاختلف كل شيء. هو تعامل مع الهدف على أنه مقدمة

    ‏لما هو أكبر وأفضل، وما أراده كان. إذ أتت ثمرة هذا الهدف هدفًا ثانيًا يسجله اللاعب التشيكوسلوفاكي سميتشر فقط بعد هدف جيرارد

    ‏بدقيقتين، قبل أن يفكر مدرب ميلان بإجراء أي تعديل حتى. وبعدها بأقل من أربع دقائق، يسقط القائد جيرارد في منطقة الجزاء ليحصل على ضربة جزاء.

    ‏«نعم المعجزات ممكنة»هذا ما يقوله المعلق بينما يتقدم تشابي ألونسو ليسدد ضربةالجزاء لماذا لم يسددهاجيرارد على اعتبار أنه المتخصص بركلات الجزاء

    ‏وفوق هذا هو القائد، لا أحد يدري.

    Liverpool-Capital-One-Cup-and-Istanbul

    ‏وعلى الرغم من أن ضربات الجزاء عادة ما يكون للمهاجم فيها الأسبقية إلّا أن ضربة جزاء على الحارس ديدا ذي الطول الفارع والمهارات الخيالية

    ‏ليست بتلك السهولة التي تظن، يركض ألونسو نحو الكرة ويسددها ليصدها الحارس العملاق، الزمن الآن بطيء جدًا، وفيلم الرعب يشاهده

    ‏مشجعو ميلان كما يشاهده مشجعو ليفربول، ما من لاعب في الملعب إلّا وجرى نحو الكرة، لكن ألونسو كان أسبق، فوضعها في سقف المرمى،

    ‏معلنًا عودة المباراة إلى نقطة البداية، «والمهمة المستحيلة أتمت بنجاح».

    ست دقائق كانت كفيلة بنقل الكابوس من ليفربول إلى ميلان،

    ‏وبدا أن الأقدار قد تبتسم للفريق الإنجليزي الذي لم يحصل على أي بطولة دوري منذ العام 1990 ولا على بطولة دوري أبطال أوروبا منذ العام 1984.

    ‏والمشجعون حول العالم جنّ جنونهم، ومن كانوا قد غادروا الملعب او أطفؤوا التلفاز حزنًا ويأسًا سيندمون طويلًا على تفويت هذه الدقائق.

    ‏هل كان ميلان قادرًا على العودة؟ نعم، وجدًا، والدقائق التالية أثبتت قدْر الميلان، إذ سيطر الفريق الإيطالي على المباراة بشكل كامل،

    ‏وانهالت الكرات على حارس ليفربول كما المطر، لكن الجميع كان يضيع، حتى أتت الدقيقة السابعة عشر بعد المئة، أي قبل ثلاث دقائق

    ‏من إعلان انتهاء المباراة بالتعادل وانتقال الفريقين إلى الركلات الترجيحية. إذ ترفع الكرة باتجاه منطقة جزاء ليفربول،

    ‏ويضرب أفضل مهاجم في العالم في ذالك الوقت الكرة فيصدها الحارس، لتعود مجددًا إلى شيفشينكو الذي يسددها في جسد الحارس فتخرج خارج الملعب،

    ‏حتى هذه اللقطة لم يكن لاعبو ليفربول يصدقون أنهم قد يفوزون بالكأس وكل ما أرادوه هو خسارة «مشرفة» لكن هذه الفرصة أتاحت لهم الحلم وأباحته،

    ‏وصدقوا في أنفسهم أن الليلة قد تكون ليلتنا.تصل المباراة إلى الركلات الترجيحية، معنويات الفريق الإنجليزي عالية جدًا، بينما الفريق الإيطالي

    ‏يصارع حتى لا ينهار مزيدًا من الانهيار، وفي المدرجات كان الأمر مختلفًا إذ لا زالت الحناجر الحمراء تغني: لن تسير وحيدًا يا ليفربول.

    ‏الركلات الترجيحية

    liverpool

    ‏يتقدم سيرجينو -لاعب ميلان- إلى الكرة بينما تسمع في خلفية المشهد حناجر جماهير ليفربول تهتف بذات الأغنية. يمنة ويسرة يتحرك الحارس البولندي

    ‏جيرزي دوديك علّه يشوش عليه، يتقدم من الكرة واحد من أفضل مسددي ركلات الترجيح في العالم، وبكل ما في كرة القدم من غرابة يضع الكرة في السماء.

    ‏عندما يسدد أندريا بيرلو ركلة حرّة يعلم الحارس والجمهور أن احتمالية تسجيل الهدف تفوق بكثير احتمالية صد الكرة،

    ‏وتزداد هذه الاحتمالية إن كان بيرلو يسدد ضربة جزاء، لكن كما حصل مع سيرجينيو، يضيع بيرلو ضربة الجزاء، فيما يتمكن كل من هامان وسيسي

    ‏لاعبا ليفربول- من تسجيل ضرباتهما.

    يتقدم للضربة الثالثة لميلان اللاعب الدنماركي تومسون، ويسجلها، بينما يضيع ريزا -لاعب ليفربول- كرته،

    ‏وهذا يعني أن الفارق بين الفريقين قد تقلص، وأن كرة القدم تمارس هواية العبث بالأعصاب كما تشاء.

    ‏يتقدم البرازيلي كاكا من الكرة ويسجل، وكذلك يفعل سميتشر، وهذا معناه أن الركلة الخامسة والأخيرة هي التي ستحدد كل شيء،

    ‏إن سجّل شيفشينكو فإن آمال ميلان ستظل حيّة، وإن صدها دوديك فإننا سنقول لميلان تصبحون على خير.

    ‏يتقدم شيفشينكو ويسدد الكرة في المنتصف، بينما جسد دوديك في الهواء راحلًا نحو زاويته اليمين، لكن الحظ، أو المهارة، أو كلا الأمرين

    ‏مكناه من إدراك الكرة وصدها، ليعلن بذلك ليفربول فائزًا ببطولة دوري أبطال أوروبا.

    ‏مع فوزهم بالكأس للمرة الخامسة، بات بإمكان النادي الإنجليزي أخيرًا أن ينال بالكأس الأغلى في عالم أندية كرة القدم.

    ‏لتثبت كرة القدم مجددًا أن المعجزات تتحقق، فقط إن آمنت بها، وإن لها غنّيت.