في لعبة الشطرنج يمكنك أن تبدأ بافتتاح مرن وتطبقه بأفضل صورة ممكنة لتسيطر على الرقعة، لكن استمرارك في هذه السيطرة يعتمد على نجاح كل حركة تقوم بها، فخطأ واحد فقط سيفقد قطعك التناغم الذي خلقته بينها أثناء الافتتاح، وسوف تمنح الخصم الأفضلية لشن الهجوم المضاد، بل والسيطرة في الكثير من الأحيان.

ما يحدث على رقعة الشطرنج ينطبق تماماً على فكرة الاستحواذ في كرة القدم، فيجب على المدرب أن يحرك لاعبيه بالشكل الصحيح وأن يخلق خطوط بينهم بشكل مستمر، هذا يتم ضبطه وبرمجته أثناء التدريبات ليصبح شيء روتيني بالنسبة لهم، فالاستحواذ الحقيقي برأيي هو عملية معقدة مليئة بالحسابات والاحتمالات، وهناك عدد قليل جداً من المدربين الذين يجيدونه بشكل صحيح.

بعض المدربين يحاولون الاستحواذ بهدف الاستحواذ فقط، يعتقدون أن وجود الكرة بين أقدام لاعبيهم وسيلة دفاعية وهجومية في الآن واحد، لكن هذا بطبيعة الحال قد ينجح أمام الخصوم المتواضعة أو في حالات معينة، وعادةً ما يفشل أمام الكبار الذي يملكون لاعبين بجودة عالية.

هناك كثير من المدربين يصنفون أنفسهم ممن يلعبون بطريقة استحواذية، خورخي سامباولي وأوناي إيمري أمثلة على ذلك، لكنهم في الحقيقة بعيدين كل البعد عن ذلك، فرغم أنهما مدربان ممتازان تكتيكياً، إلا أن معظم هزائمهم التي يتذكرها الجميع كانت بسبب عدم فهمهم الكافي لهذه الفلسفة، فهم يظنون أن المسألة ببساطة أن تقول للاعبيك مرروا الكرة ولا تخسروها.

المدرب الإنجليزي سام ألاردايس انتقد فلسفة الاستحواذ التي أصبحت هوساً في إنجلترا في الفترة الماضية، وهاجم تحديداً أوناي إيمري بعد الهزيمة من مانشستر سيتي لمحاولته اللعب بهذه الطريقة التي وصفها أنها عقيمة وتؤدي إلى الخسارة، كما أشار إلى أن الفريق الوحيد الذي يمكنه اللعب بها هو مانشستر سيتي لأنه يعرف كيف يطبقها.

طبعاً وصلنا إلى النقطة الأهم بحديثنا، وهي ما يفعله بيب جوارديولا، فهذا المدرب هو أكثر من يفهم قوانين الاستحواذ، يعرف كيف يجب أن يتحرك اللاعبين، ويدرك تماماً للعوامل الدخيلة مثل ضغط المنافس وانخفاض اللياقة البدنية والذهنية خلال المباراة.

جوارديولا لا يقول للاعبيه هيا بنا نستحوذ، ثم يقف على الخط وهو يراقبهم، المسألة أعمق من ذلك بكثير، وتصريحات اللاعبين المستمرة عن هوس جوارديولا بالتكتيك يوضح مدى تعقيد ما يفعله على أرض الملعب.

هناك أندية كثيرة تستحوذ هذه الأيام، لكن الفرق التي يدربها بيب تشعر أنها تستحوذ بطريقة مختلفة عن الآخرين، فهي لا تستحوذ لأنها تملك لاعبين أفضل، بس تستحوذ دائماً، مهما كانت قوة وطبيعة الخصم والملعب، هي دائماً تملك الكرة وتتحكم في المباراة، حتى وإن خسرت برباعية.

جوارديولا يعتمد في استحواذه على عدة عوامل، قد يكون أهمها حركة اللاعبين، فالدور الأكبر على اللاعبين القريبين من حامل الكرة وليس على حامل الكرة نفسه، والعامل الثاني هو تعديل بعض أبجديات كرة القدم لدى بعض اللاعبين، مثل كيف يستلم الكرة، كيف يحجز عليها، متى يجب أن يسدد ومتى يجب أن يعود بتمريرة لزميله، هذه التفاصيل عادةً ما يخشى المدربين الدخول بها مع لاعبيهم خصوصاً إن كانوا نجوماً لأنهم تعلموها منذ أن كانوا أطفالاً، لكن بيب لا مشكلة لديه بإعادة تأهيل اللاعب بشكل كامل ليجعله يتناسب مع هذه الفلسفة، والنتائج فيما بعد تجعل الجميع مجبراً على الاستماع له.

أما العامل الثالث هو المرونة أثناء المباراة، طبعاً لا أقصد تغيير الشكل التكتيكي، بل بالحفاظ على التوازن في المسافة بين كل لاعب ولاعب، وكل خط وخط، وهنا تماماً تكمن مشكلة المدربين الآخرين الذي يحاولون الاستحواذ، وهذه عملية حسابية يطول شرحها، لكن الفكرة العامة أن المسافة بين الخطوط الثلاثة ليست ثابتة، فيمكن أن تتسع ويمكن أن تضيق، وذلك حسب الموقف والنتيجة ومكان تواجد الكرة، كما يجب الإشارة إلى أن كل مسافة محددة مسبقاً لجميع المواقف والحالات، فصحيح أنها تتغير بشكل مستمر لكن بمقدار يعرفه اللاعبين مسبقاً  وليس بعشوائية.

طبعاً هذه التفاصيل يمكن ملاحظتها بعينك المجردة وأنت تتابع المباريات، وبعضها تم تسريبها، لكن ما يحدث خلف الكواليس وما يفعله بيب حقاً لا أحد يعرفه سوى بيب نفسه، فلو كانت جميع الأسرار مكشوفة لكان لدينا مئات المدربين مثل جوارديولا.

إن لم يكن المدرب “المستحوذ” مدركاً لكل هذه العوامل وواضعاً حساباً لها، فهو تماماً كلاعب الشطرنج الذي يسيطر على الرقعة بالافتتاح ثم يخسر المباراة بحركة خاطئة لأحد قطعه.