لو سألت أي شخص متابع لكرة القدم ولو حتى بطريقة سطحية وهو في عمر الشباب بين 18 عاماً و35 مثلاً، عما إذا كان من المنتخبات أكبر وأقوى تاريخياً البرتغال أم الأرجنتين، فبكل تأكيد ستكون النتيجة معروفة ولو بنسبة 99% وهي الأرجنتين لأنها حقيقة.

وإذا سألت نفس الشاب عما إذا كان يعرف 10 نجوم أسطورية في كل منتخب فبكل تأكيد سيصعب عليه ذكر 5 أسماء في منتخب البرتغال، بينما سيقول لك قائمة من الأرجنتين تزيد عن ال20 إسماً، سواء مؤخراً أو تاريخياً.

ما فائدة تلك المقدمة؟ ستعرف بعض لحظات، ولكن نبدأ في الموضوع سريعاً..

شاهد الجميع مباراة منتخب كرواتيا ضد منتخب الأرجنتين والتي فاز بها أبناء يوغوسلافيا بثلاثية نظيفة على راقصي التانجو في مباراة قدم فيها المنتخب الأرجنتيني أداء كارثي وقدم لاعبو كرواتيا درسًا كروياً لن ينساه الشعب الأرجنتيني بأكمله، فهي أكبر هزيمة يتلقاها المنتخب في كأس العالم منذ بطولة 2010 عندما ودع البطولة ضد ألمانيا في الأدوار الإقصائية بنتيجة 4-0.

بينما يقدم كريستيانو رونالدو أفضل بطولة دولية حتى الآن مع منتخب بلاده بتسجيله 4 أهداف في مبارتين، منهم هاتريك في مرمى منتخب إسبانيا، وهدف الفوز ضد منتخب المغرب، ويلقى الكثير من الإشادة من الإعلام البرتغالي وبالطبع الإعلام المدريدي أيضًا.

ودائماً ما يصنع الإعلام والجماهير مقارنات بين النجمين الذين يتنافسا على الحذاء الذهبي وجائزة أفضل لاعب في العالم من عام 2009 وحتى وقتنا هذا وهو أكبر وأقوى تنافس حدث وسيحدث في تاريخ كرة القدم، أن يبقى لاعبان على القمة العالمية.

ولكن دعونا نتطرق لنقطة حوارية جدلية لا ينتهي منها مواقع التواصل الإجتماعي والسوشيال ميديا، وهي تظهر فقط في حالة اخفاق أي منهما مع منتخب بلاده، فمثلاً عشاق ميسي سخروا من رونالدو في كأس العالم 2014 عندما ودعوا البطولة من دور المجموعات، ونفس الكلام عندما خرج من دور ال16 في نسخة 2010، وفشله في إنجاز في كأس الأمم الأوروبية، حتى فاز بها في عام 2016 في مفاجأة مدوية، كان لرونالدو دورًا فيها لقيادة للفريق للتأهل من دور المجموعات ورغم انخفاض مستواه في باقي الأدوار الإقصائية وغيابه عن النهائي بسبب الإصابة إلا أن الإنجاز احتسب للنجم البرتغالي الذي كان سبباً في تأهل فريق إلى الأدوار الإقصائية.

أما ليونيل ميسي فقد لقى الكثير من الانتقادات والتقليل من عشاق ومحبي رونالدو عندما خرج من كأس العالم 2010 بنتيجة كبيرة ضد المانشافت الألماني، ولم يستطع الحصول على نسخة 2014 رغم إنه وصل إلى النهائي بعد أن قاد فريقه في دور المجموعات وصنع هدف الفوز في دور ال16 وسجل ركلة الترجيح الخاصة به ضد منتخب هولندا في نصف النهائي، وعندما خسر أيضاً نهائي كوبا أمريكا 2015 و2016 ضد نفس المنتخب تشيلي وتضييعه ركلة ترجيحية في النهائي الثاني.

ولكن يأتي الدور الآن على النغمة المنتشرة مؤخراً، وهي نقطة حديث لا تختفي كل يوم تقريباً، وهي أن ميسي عليه ضغوط ولا يتحملها ولا يستطيع أن يحمل منتخب الأرجنتين وحده، وفي الناحية الأخرى أن كريستيانو رونالدو يتحمل الضغوط ويستطيع حمل منتخب بلاده بمفرده والحصول على بطولة اليورو، وتقديم مستوى ممتاز حتى الآن في كأس العالم، وهنا نعرض فكرة بسيطة لماذا يظهر لنا أن رونالدو متألقاً مع البرتغال وأن ميسي لا يقدم نصف مستواه مع الأرجنتين كما هو في برشلونة.

البرتغال منتخب صغير:

يؤسفني القول هذه الجملة لك عزيزي القارئ، فنعم وحقيقة أن المنتخب البرتغالي منتخب صغير، ولا يعتبر من كبار أوروبا وكبار العالم، فلو نظرنا إلى بطولة كأس العالم فستجد أن أكبر إنجاز في تاريخ البرتغال هو حصد المركز الثالث في نسخة 1966 بقيادة الهداف التاريخي السابق للبرتغال أوزيبيو، فقط، ولو استعرضنا باقي النسخ فالبرتغال غابت ولم تتأهل لبطولة 1930 و1934 و1938 و1950 و1954 و1958 و1962، وبعد انجاز نسخة 1966، لم تستطع البرتغال التأهل إلى نسخة 1970 و1974 و1978 و1982، ثم تأهلت لنسخة 1986 وخرجت من دور المجموعات بعد الفوز في مباراة وخسارة مبارتين وتسجيل هدفين واستقبال 4 أهداف، لتغيب بعد ذل في نسخة 1990 و1994 و1998، كل تلك الفترات لم نرَ لاعباً برتغالياً بارزاً، ولم نسمع عن نجم مثل أوزيبيو مثلاً، أو حتى بنصف قيمته أو أداءه، ولكن ظهرت البرتغال مرة آخرى وبدأت الدخول في أجواء التنافس بعد أن وصلت لنسخة 2002 وخرجت من دور المجموعات بعد الفوز في مباراة وخسارة مبارتين، وتسجيل 6 أهداف واستقبال 4، وفي تلك الفترة وما قبلها بسنوات قليلة ظهرت أسماء تقارن بأفضل لاعبي العالم مثل لويس فيجو وروي كوشتا ونونو جوميش، لتكتمل كتيبة نجوم البرتغال وتظهر بقوة في نسخة 2006 حيث احتلت المركز الرابع بالبطولة، حيث تأهل برازيل أوروبا في مجموعة سهلة ضمت كل من أنجولا وإيران والمكسيك كبطلا لها وتسجيل 5 أهداف واستقبال هدف وحيد، لتكمل المشوار وتُخرج هولندا من دور ال16 بهدف نظيف، وتخرج إنجلترا بركلات الترجيح في الدور ربع النهائي، وتخسر من فرنسا في نصف النهائي بهدف نظيف سجله الأسطورة زين الدين زيدان، لتخسر مباراة تحديد المركز الثالث والرابع أمام ألمانيا مستضيف البطولة، وفي نسخة 2010 ودع برازيل أوروبا البطولة من دور ال16 بعد أن جاء ثانياً في مجموعة ضمت كل من البرازيل وكوت ديفوار وكوريا الشمالية مسجلة 7 أهداف “في مباراة واحدة” ولم تستقبل أي هدف، لتخرج في الدور التالي بالخسارة من إسبانيا بهدف نظيف وهو المنتخب المتوج بالبطولة، وفي نسخة 2014 ودع المنتخب البرتغالي البطولة من الدور الأول بالخسارة من ألمانيا 4-0 والتعادل مع الولايات المتحدة 2-2، والفوز على غانا 2-1، هذا هو تاريخ البرتغال في كأس العالم، وهو تاريخ متواضع مقارنة بالمنتخبات الأخرى الكبيرة.

وفي بطولة اليورو، لم يحقق منتخب البرتغال اللقب سوى عام 2016 في وجود وبمشاركة كريستيانو رونالدو، في حين أنها لم تشارك في نسخة 1960، 1964، 1968، 1972، 1976، 1980، وتأهلت لنسخة 1984 لتصل إلى نصف النهائي وتخسر وتحقق المركز الثالث، ولم تتأهل بعد ذلك لنسخة 1988، و1992 لتصل إلى ربع نهائي نسخة 1996، ثم نصف نهائي نسخة 2000، ونهائي 2004، وربع نهائي 2008 ونصف نهائي 2012، وبطل 2016.

منتخب الأرجنتين تاريخي وكبير:

يعتبر منتخب الأرجنتين من المنتخبات الكبيرة والمؤسسة لفكرة كأس العالم من الأساس، حيث كانت أول نسخة وبداية البطولة بمشاركة كل من الأرجنتين والأوروجواي، وهو نهائي النسخة الأولى عام 1930 وفي وجود 11 منتخباً آخرًا، 4 من أوروبا و 7 من أمريكا الجنوبية و2 من أمريكا الشمالية، وتعذر بعض المنتخبات المشاركة بسبب صعوبة السفر عبر المحيط والوصول إلى أوروجواي أول من نظم بطولة كأس العالم.

ثم تلى ذلك، خروج الأرجنتين من الدور الأول لنسخة 1934، عدم التأهل لنسخة 1938 و1950 و1954، تبعها توديع البطولة من دور المجموعات في نسخة 1958 و1962، ثم الدور ربع النهائي في نسخة 1966، وغياب عن المشاركة في نسخة 1970، ومنذ نسخة 1974 لم تغب شمس الأرجنتين عن البطولة، حيث خرجت من الدور الثاني في تلك النسخة، وحصلت على نسخة 1978 على أرضها ووسط جماهيرها، وتوديع نسخة 1982 من الدور الثاني، والفوز بنسخة 1986 في المكسيك بقيادة الأسطورة الحية دييجو أرماندو مارادونا الذي يعتبره الكثيرون أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم ويقارن به كثيرًا النجم ليونيل ميسي، ثم الوصول لنهائي نسخة 1990، توديع نسخة 1994 من دور ال16، الوصول لربع نهائي نسخة 1998، توديع نسخة 2002 من الدور الأول في مفاجأة من العيار الثقيل لمنتخب كان به باتيستوتا وأورتيجا وأيمار وزانيتي وهيرنان كريسبو وكامبياسو ودييجو سيميوني وماوريسيو بوتشتينو، ثم الوصول لربع نهائي 2006 وربع نهائي 2010 ونهائي 2014 بقيادة النجم ليونيل ميسي.

أما في بطولة كوبا أمريكا، فقد حقق منتخب الأرجنتين اللقب 14 مرة، يتفوق عليه فقط منتخب أوروجواي 15 مرة، ووصل منتخب الأرجنتين إلى النهائي 28 مرة، حيث خسر 14 نهائي وفاز في 14 آخرين ولكن آخر لقب ناله الأرجنتينيون كان في عام 1993 أي منذ 25 عاماً.

لماذا ذكرنا كل هذا؟

ما هي الضغوطات الموجودة على النجم كريستيانو رونالدو في منتخب كان آماله فقط الوصول إلى البطولة سواء أمم أوروبا أو كأس العالم؟ لا شئ، فقط هو يقود المنتخب للوصول إلى البطولة، حاول كثيراً ووصل لنهائي يورو 2004، ونهائي يورو 2016 وفاز باللقب، لذلك فكل برتغالي يعشق رونالدو لوضع البرتغال في مصاف الكبار، لذلك الضغط على رونالدو غير متواجد لأن لا أحد سيلومه لو ودعت البرتغال تلك النسخة من كأس العالم في دور ال16 مثلاً، – لأن ذلك معتاد للبرتغاليين – بالرغم من وجود بعض النجوم الأخرين في المنتخب ولكنهم لن يصلوا لكريستيانو رونالدو الهداف التاريخي لبلادهم، لذلك الجمهور البرتغالي والإعلام البرتغالي يتعامل مع رونالدو بمبدأ – win win situation- أي أن الفريق لو فاز يعتبر إنجاز تاريخي، ولو خسر لن يؤثر على شئ فتاريخنا لا يوجد به سوى نهائي واحد في أمم أوروبا ونصف نهائي لكأس العالم ولم نتأهل لنصف البطولات وربما أكثر.

أما عند ميسي، فهو يحمل على عاتقه أكثر من مشكلة، أولها أن الأرجنتين فازت ببطولتين كأس عالم، ولم تحققها منذ 1986 أي منذ 32 عاماً، وهو أمر غير معتاد بالأخص أنهم حققوا لقب نسخة 1978 و1986 ووصلوا لنهائي 1990 في فترة ذهبية قادها دييجو أرماندو مارادونا.

ثاني المشاكل، أن منتخب بقيمة وحجم الأرجنتين لم يحقق أي لقب كبير منذ عام 1993 أي منذ 25 عاماً، أيعقل؟ أهو منتخب كبير حقاً؟ أم أصبح في التاريخ الحديث منتخبًا متوسطًا؟ الأرقام تقول نعم هو متوسط ولكن لا يمكن لأحد في الأرجنتين وخارجها أن يقول هذا الكلام، لأن ببساطة أن تغيب عن التتويج كل هذه السنوات أمر صعب جداً ومحبط للغاية لذلك يأتي هنا الضغط المسلط على ميسي، فتتعامل معه الصحافة الأرجنتينية والإعلام، نحن منتخب كبير عد بنا إلى المجد، وحقق لنا الألقاب لأننا نقارنك بمارادونا الذي حقق لنا المراد، بطولة كأس العالم فأين أنت من هذا؟ ولماذا تفوز بكل الألقاب مع برشلونة؟

الضغوط على ميسي في برشلونة شبه معدومة لأنه حالياً حقق كل شئ ممكن، ويتمتع بسنواته الأخيرة، وإذا لم يحقق الألقاب ولمدة 10 مواسم قادمة لا أحد يجرأ أن يتكلم عن ميسي بكلمة سيئة، لأنه بإختصار حقق للنادي 32 لقباً محلياً وأوروبياً، في حين أن قبل هذا كان برشلونة فريقاً متوسطاً لا يصل إلى النهائي سوى مرة كل 10 سنوات في دوري أبطال أوروبا، كما هو في البرتغال قبل رونالدو، فهنا تتشابه الأمور.

نأتي لبعض العوامل التي تؤدي إلى فشل ميسي مع المنتخب الأرجنتيني، وأبرزها عدم وجود مدرب لسنوات طويلة، الاستقرار غائب تماماً، عن الأرجنتين فيكفي أن نقول إن الأرجنتين منذ عام 2006 وحتى يومنا هذا تولى تدريبها 8 مدربين، في 12 عاماً فقط، بينما جاء تغير على منتخب البرتغال في نفس الفترة 4 مدربين فقط.

كل هذا ولم نركز على سوء اختيارات المدرب الحالي سامباولي صاحب الشخصية الضعيفة، والذي يضم لاعبين عليهم أكثر من علامة استفهام بالإضافة لتراجع مستوى ماسكيرانو الذي يلعب في الدوري الصيني، ودي ماريا الذي يجلس على دكة باريس سان جيرمان في كثير من الأوقات وعدم الاعتماد على باولو ديبالا أحد نجوم الدوري الإيطالي، وزيادة على كل هذا فإن منتخب الأرجنتين هو المنتخب الوحيد في كأس العالم الذي يملك حارسي مرمى احتياطيين في فريقهم الذي يلعبان لهم، فسيرجيو روميرو لا يشارك في 10 مباريات كل الموسم مع مانشستر يونايتد لوجود الحارس دي خيا واصيب قبل البطولة، وويلي كاباييرو شارك في 7 مباريات فقط مع تشيلسي هذا الموسم لأنه احتياطي للحارس كوروتوا، بالإضافة للاعبين لم نسمع عنهم مثل تاليافيكو وميزا وبافون.

لذلك فإن وجود ضغط على كلا اللاعبين ما هو إلا وهم لأن مقدار الضغط مختلف تمامًا كما أوضحنا، ولندع جانباً تلك المهاترات لأن كليهما لاعبان كبار وتاريخيين، وتتفق أو تختلف فإنهما أفضل لاعبين تنافسا في تاريخ كرة القدم، دون الخوض في تفاصيل تافهة قد تصل لمرحلة أن تسب أو تشتم صديقك أو زميلك بسببها، ولكن وجب التوضيح لكي لا تكبر فقاعة من فقاعات “السوشيال ميديا”.

في النهاية ميسي ليس معصوماً من الخطأ ولا حتى رونالدو، وكل منهما له ما له وعليه ما عليه، ولكن المبالغة فيما يحققه أي منهم سواء من تعظيم أو تحقير، هو أمر طفولي وغير جيد، وخارج عن الواقعية، لأن كل هذه المهاترات لن تنفي ولن تنهي حقيقة أنهما أحد أعظم اللاعبين في تاريخ الكرة.