وانتهى المشوار .. لم يعد للمحارب من درجة النبلاء أي شيء ليضيفه، ريال مدريد أعلن بشكلٍ رسمي مساء اليوم الثلاثاء 10 يوليو 2018 انتقال أسطورته ونجمه الأول كريستيانو رونالدو إلى نادي يوفنتوس الإيطالي في صفقة تجمع صحف إيطاليا على تسميتها بـ “صفقة القرن”.

رحيل رونالدو المفجع لعشاق ريال مدريد يعيدنا بالذاكرة إلى العقد، قبل 10 أعوام من الآن، حينها فجعت كرة القدم الإنجليزية بتصريح غير متوقع من كريستيانو رونالدو: “أريد الإنتقال إلى ريال مدريد”.

تصريح رونالدو أتى مفاجئاً للجميع، كيف للاعب مرشح بقوة لحصد الكرة الذهبية بعد تتويجه بطلاً لأوروبا وإنجلترا، بعد تتويجه هدافاً لدوري الأبطال والدوري الإنجليزي، كيف له أن يترك كل هذا خلفه لينتقل إلى ريال مدريد؟

وحتى تفهم سبب الإنبهار والتعجب حينها يجب عليك أن تخوض نفس المشاعر وترى العالم بنفس العينان عام 2008 ، حينها ستعي أن الصفقة غير مفهومة من جميع الجوانب.

ريال مدريد لم يكن النادي الأقوى رياضياً في تلك الفترة، بل كان مترنحاً، فريق غير قادر على الوصول لربع نهائي دوري أبطال أوروبا، مستواه سيء وجميع الفرق المتوسطة تتفوق عليه مثل فيردر بريمن، روما، أوليمبيك ليون .. الخ. فريق احتاج لانهيار برشلونة رونالدينيو حتى يستطيع العودة لمنصات التتويج، ويحكمه رئيس يجري وراء الصفقات المتوسطة لذلك تجد صفوفه خاوية من اللاعبين من طراز “سوبر ستار” بينما يزخر مانشستر يونايتد بأفضل اللاعبين في مختلف المراكز ويعيش حالة تفوق مرعبة على جميع منافسيه محلياً وأوروبياً.

عهه

كما أن عهد الجالاكتيكوس كان ما يزال يخيم كالكابوس على العاصمة الإسبانية، 3 سنوات بدون ألقاب، أعوام من الهزائم والنكسات والغضب الجماهيري الشديد من أساطير كرة القدم، كلهم تعرضوا لصفارات الاستهجان وسط عشوائية شديدة اجتاحت صفوف الفريق، بينما يحظى نجوم أولد ترافورد بأقصى درجات الدعم الجماهيري.

كل العوامل جعلت صفقة رونالدو غير مفهومة، إذاً هي الأموال؟ حتماً الأموال من ستدفع رونالدو للانتقال إلى ريال مدريد .. لكن لنقف هنا دقيقة، هل حقاً مانشستر يونايتد غير قادر على منح رونالدو الأجر الذي يريده إن طلب ذلك؟ اليونايتد أحد أقوى أندية العالم اقتصادياً والذي يتواجد في الدوري الإنجليزي؟! هو سبب غير مقنع أيضاً.

لو بقينا سوياً ندرس الأسباب التي دفعت رونالدو لإلقاء القنبلة المدوية على وسائل الإعلام خلال يورو 2008 معلناً عن رغبته بالانتقال إلى ريال مدريد فلن نجد سبباً واحداً مقنعاً، سوى الأسباب الشخصية البحتة، مثل التي تحدثت عنها الصحف حول عشق والدته لنادي ريال مدريد، أو رغبته في تجربة نمط الحياة بإسبانيا القريب من نمط الحياة ببلاده البرتغال، أو ربما أسباب أخرى نجهلها.

رونالدو اختار ريال مدريد في وقت رفضه خلاله الجميع، نتحدث عن النجوم والمدربين من طراز “سوبر ستار” فقبل عودة بيريز لم يكن هناك شيئاً محفزاً في هذا النادي، لدرجة أن فيرجسون صرح حينها قائلاً: “من واجبي أن أنصح اللاعبين كأبنائي، وأنا أرى أن الانتقال لريال مدريد سيكون أسوأ خطوة يمكن لرونالدو أن يقدم عليها”.

مرت الآن 10 أعوام ورونالدو أكد أنه لم يكن مخطئاً، قاد ريال مدريد لتحقيق لقب دوري أبطال أوروبا 4 مرات وأصبح الهداف التاريخي للمسابقة مثلما حصد الكرة الذهبية 4 مرات أيضاً، هي حصيلة لم نكن نتخيل حدوثها قبل 10 أعوام.

DhfLsFZXUAAajvn

رونالدو اختار ريال مدريد في وقت صعب، وقت مرير على عشاقه، ليرفع من روحهم المعنوية ويرفع من قوة شخصية الفريق مع مرور الوقت على أرض الملعب. رونالدو انتقل بريال مدريد من قاع أوروبا إلى قمتها، قدم كل ما لديه لهذا النادي على مدار 9 أعوام.

أنا من الأشخاص الذين انتقدوا رونالدو في عدة مناسبات، ولن أنكر ذلك ولا أستطيع انكاره لأن أرشيف شبكة الانترنت سيفضحني إن أنكرته، لكني أعلم جيداً في أعماقي بأنه لا يوجد لاعب قدم لريال مدريد ما قدمه رونالدو، بل أكاد أجزم بأنه لا يوجد لاعب قدم لناديه ما قدمه رونالدو، لا توتي ولا ميسي ولا جيرارد ولا راؤول ولا كاسياس … الخ ، رجل تخلى عن كل مقومات الحياة الهادئة والناجحة، تخلى عن التفوق وتخلى عن القمة لكي يخوض حرباً ربما لن ينجح بتحقيق الانتصار فيها.

رونالدو كان يتلقى صفارات الاستهجان في البرنابيو، فيرد عليها بكبرياء الملوك في كامب نو وتورينو وميونخ وفيسنتي كالديرون .. رونالدو كان دائماً من يرمم جراح ريال مدريد حينما ينزف، وهو أول من يدافع عن كبرياء النادي ويرد بقسوة على كل من يحاول إذلاله.

تحية لرونالدو المحارب من درجة النبلاء .. نعم رحل عن ريال مدريد إلا أنه سيبقى عنوان التحدي، المجد، الإنجازات .. سيبقى قمر سماء مدريد إلى الأبد