إما الحظ أو التحكيم، بنظر الكثيرين لا يحقق ريال مدريد الفوز في دوري أبطال أوروبا سوى بمساعدة هذين العاملين، الأمر لم يعد يقتصر على جماهير الغريم التقليدي برشلونة، بل امتد إلى معظم جماهير الفرق الأوروبية الأخرى، وهذه وجهة نظر لا تتبناها الجماهير وحسب في الموسم الحالي، بل تروج لها وسائل الإعلام في عدة بلدان حول العالم أيضاً.

ريال مدريد انتصر يوم أمس على بايرن ميونخ بأداء هزيل جداً، في حين قدم العملاق البافاري مباراة كبيرة على جميع الأصعدة، لكن بالنهاية خرج خاسراً في معقله وبين جماهيره في سيناريو مكرر لما حدث في السنوات الماضية.

وقبل أن يصل ريال مدريد لهذه المحطة، أخرج يوفنتوس بعد ركلة جزاء ما زالت تتصدر المشهد حتى يومنا هذا احتسبت بالدقيقة الأخيرة، وهو ما وصفته الصحافة الإيطالية والكاتالونية بسرقة القرن.

في الوقت الراهن، الجميع ينتظر خسارة ريال مدريد في دوري الأبطال، الصحافة الإسبانية (باستثناء آس وماركا)، الصحافة الألمانية، الصحافة الإيطالية، الصحافة الفرنسية، وربما تكون وسائل الإعلام البريطانية هي الوحيدة المحايدة في هذه المسألة كونه لم يتعرض فريق إنجليزي للإقصاء على يد الريال في الموسم الحالي، والحال نفسه ينطبق على معظم جماهير أندية الدوريات الأوروبية الكبرى.

ريال مدريد مدرك تماماً أن العالم كله يقف ضده في هذا الوقت، الجميع يحاول التقليل من إنجازاته، حتى أن إدارة النادي أمرت اللاعبين بأن يكونوا أكثر حدة بتصريحاتهم للدفاع عن الفريق، وقررت أيضاً اتخاذ إجراءات قانونية ضد كل من يتهم النادي بتقديم الرشاوي للحكام.

على أي حال، يبقى السؤال الأهم، هل ريال مدريد يحقق الفوز بالحظ والتحكيم ؟ وسنحاول الإجابة على هذا السؤال بنظرة واقعية وباستعراض حقائق غير قابلة للشك.

لنبدأ مع الحظ

نعم الريال كان محظوظاً أمام البايرن يوم أمس، لكن ما غفل عنه البعض أن مهاجمي بايرن ميونخ هم من أضاعوا على فريقهم فرصة الفوز، كما أن المباراة تقام على ملعب يانز أرينا، فمن الطبيعي أن تكون الأفضلية للعملاق البافاري، وما كان يحدث في السنوات الماضية هو الاستثناء، فالريال ليس مطالباً بسحق البايرن في معقله، هو مطالب بالخروج بنتيجة إيجابية فقط.

المقياس المتحول

عندما حسر ريال مدريد هذا الموسم في الليجا أو حتى في دوري الأبطال وكان قد خلق كمية فرص لا تصدق، تجاهل الجميع ذلك، واتهموه بأنه يمر بفترة سيئة، رغم أن الواقع كان عكس ذلك تماماً، فالريال لم يكن سيئاً هذا الموسم، وربما يكون أفضل من الموسم الماضي من حيث جمالية الأداء، لكن ما حدث أن اللاعبين تفننوا بإهدار الفرص فقط.

على سبيل المثال، يرى الكثيرين أن ريال مدريد سرق التأهل من يوفنتوس بركلة جزاء وهمية رغم تأكيد العديد من خبراء التحكيم على صحتها، وهم نفسهم من قرروا التغاضي عن كمية الفرص التي صنعها  الفريق في لقاء العودة، لأن هذا المقياس لم يكن يناسبهم حينها، فلو استخدموه سيقروا بأن الريال يستحق التأهل كونه صنع ضعف الفرص التي صنعها يوفنتوس سواء في لقاء الذهاب أو الإياب.

هم نفس الأشخاص من تجاهلوا ما قدمه ريال مدريد من حيث الأداء وصناعة الفرص أمام يوفنتوس، يتهمونه بالحظ لأنه تأهل على حساب البايرن، فعندما تكره فريق، دائماً تحول المقياس الذي تستخدمه لكي تقلل منه.

هل ريال مدريد الوحيد من خدمه الحظ هذا الموسم ؟

لن نشرح كثيراً في هذه النقطة، لكننا سنطرح بعض الأسئلة الاستنتاجية التي من المفترض أن توضح كل شيء:-

** لماذا لم يتحدث أحد عن تسجيل برشلونة 5 أهداف في دوري الأبطال هذا الموسم بنيران الصديقة، وتم السخرية من ريال مدريد لأنه استغل خطأ من رافينيا رغم أنه طبق هجمة مرتدة مثالية ؟

** لماذا لم يتحدث أحد عن حظ بايرن ميونخ الذي أوصله من الأساس لهذه المباراة؟ فهل مواجهة بشكتاش وإشبيلية مثل الاصطدام بباريس سان جيرمان ويوفنتوس ؟ وأين تبخرت نظرية الكرات الساخنة والباردة الآن ؟

** لماذا لم يُنصف أحد روما بعد تقديمه مباراة مثالية ضد برشلونة ذهاباً وخسارته برباعية بنهاية المطاف كما قام الجميع بإنصاف بايرن ميونخ يوم أمس ؟

** لماذا لم يتحدث أحد عن الحظ الذي وقف بصف بايرن ميونخ في مباراة الذهاب ضد إشبيلية التي انتصر بها بهدفين مقابل هدف في معقل الفريق الأندلسي ؟ علماً أنها نسخة كربونية من مباراة الأمس ؟

** لماذا لم يتطرق أحد للحظ عند خسارة تشيلسي بثلاثية نظيفة أمام برشلونة رغم أنه كان الطرف الأفضل على مدار 90 دقيقة وخلق فرص أكثر بكثير من البرسا ؟

** لماذا لا يريد أن يتذكر أحد أن ريال مدريد تفوق على سان جيرمان ذهاباً وإياباً وعلى يوفنتوس ذهاباً وإياباً بالأداء والإحصائيات قبل النتيجة ؟

** لماذا يتحدث الجميع عن إصابة روبن وبواتنيج، ولا يذكر أحد إصابة إيسكو وكارفاخال في نفس المباراة ؟

** أين كان الحديث عن الحظ عندما تأهل يوفنتوس على حساب توتنهام بعد أن اكتسح السبيريز السيدة العجوز في المباراتين؟

هذه الأسئلة ليس الهدف منها التقليل من الفرق الأخرى وتمجيد ريال مدريد، لأن الحظ خدم الريال أيضاً، أحياناً يخدمه كثيراً، لكن القصد أن الجميع يستفيد بين الحين والآخر من سوء الطالع الذي يلازم الخصم، لكن لا أحد ينتبه لذلك إلا عندما يتعلق الأمر بالريال.

معضلة التحكيم .. أين المشكلة ؟

حتى الآن، لا أعرف ما هي الاستفادة التي حققها ريال مدريد من الأخطاء التحكيمية في دوري الأبطال هذا الموسم، فركلة الجزاء مثيرة للجدل وليست خاطئة بنسبة 100%، والمعظم متفق أن هناك إعاقة لفاسكيز، لكن الجدل يدور حول التوقيت فقط، وهناك العديد من خبراء التحكيم الذين أكدوا صحة الركلة، أي أن قرار الحكم كان مبنياً على وجهة نظر محددة، بعض الحكام سيحتسبوها، والبعض الآخر لا، كما أن الريال لم يكن خارجاً من البطولة، بل الأمور كانت ستذهب لأشواط إضافية، وبالتالي من غير المنطقي القول أن الريال تأهل بخطأ تحكيمي من الأساس.

ماذا عن الفرق الأخرى التي استفادت من التحكيم ؟

إن كان هناك فريق استفاد من التحكيم في البطولة هذا الموسم، فهو ليفربول، حيث أحرز هدف من وضعية تسلل في مباراة الذهاب ضد مانشستر سيتي، ثم ألغى الهدف هدف صحيح للسيتيزنز في مباراة العودة، كذلك لم يحتسب الحكم ركلة جزاء واضحة جداً، وفي مباراة روما سجل الريدز هدف آخر من وضعية تسلل كان يقف بها محمد صلاح.

الجميع تجاهلوا كل هذه الأخطاء، وباتوا يمجدون ليفربول على وصوله لهذه المرحلة، ويمدحون عبقرية يورجن كلوب وروعة صلاح، وهذا لا يقلل منهم أبداً، فهما استحقا فعلاً هذا الإشادة لما قدماه في الفترة الماضية، لكن بالنهاية لم يتحدث عن أحد تأهل ليفربول بمساعدة التحكيم.

في كل موسم هناك أخطاء تحكيمية فادحة في دوري الأبطال تصب في مصلحة بعض الفرق، وتلعب ضدهم في أحيان أخرى، ودائماً يتم تجاهلها مع الوقت إلا إن كان ريال مدريد طرفاً بها.

الخلاصة

إن استفاد ريال مدريد من خطأ تحكيمي في إحدى المباريات، لا يعني أنه يصل للنهائي بفضل ذلك، وإن وقف الحظ بجانبه في مباراة واحدة، ليس لأنه فريق محظوظ باستمرار، فبالنهاية هناك عمل يقوم به زيدان واللاعبين على أرض الملعب، شئت أم أبيت هذه حقيقة غير قابلة للنقاش، الفريق يتفوق على خصمه في 90% من مبارياته سواء في الليجا أو دوري الأبطال، بغض النظر عن النتيجة النهائية إن كان خاسراً أو فائزاً أو لعب التحكيم في مصلحته أو ضده.

من غير المنصف التقليل من فريق واتهامه بأنه ينتصر بالحظ والتحكيم، ثم تمجد فريق آخر رغم أنه لعب الحظ والتحكيم دوراً أكبر في وصوله لهذه المرحلة، المقياس يجب أن يكون ثابتاً على الأقل، حتى لو كان مقياسك خاطئ من الأساس.