Getty

موقع سبورت 360 – استهل نادي برشلونة موسم 2018/2019 برغبة جامحة في إكمال ما حققه الموسم الماضي محلياً والفوز بثنائية الدوري والكأس، كما راودته طموحات تبلغ عنان السماء للتتويج بلقب دوري أبطال أوروبا بعد غياب دام 3 مواسم، لكن أحلامه تلك اصطدمت بواقع مر لم يحسب إرنستو فالفيردي حسابه، وهو التدهور الدفاعي الكبير الذي ظهر به الفريق منذ بداية الموسم الجاري، وإذا كان الفرنسيون قد كتبوا رواية “فتاة من ورق”، فإن الكتلان قرروا تشييد متاريس دفاعهم من ورق!

برشلونة الذي كان طيلة الموسم الماضي يُسجل أفضل الأرقام الدفاعية في الدوري الإسباني، يُعد حالياً سابع أسوأ خط دفاع في الليجا بعد أن تلقى 18 هدفاً في 12 جولة فقط، كما أنه لم يحافظ على عذرية شباكه منذ الجولة الثانية ضد بلد الوليد.. فما الأسباب التي أدت لهذا النزيف الدفاعي؟! ولماذا تحول البلاوجرانا من فريق لا يتلقى الأهداف سوى نادراً إلى فريق من السهل الوصول لمرماه؟!

ضعف الأروقة دفاعياً:

يعتمد جزء مهم من البناء الهجومي للفريق الكتالوني على التقدم المتكرر للأظهرة التي تلعب في بعض المباريات دور الأجنحة الهجومية أكثر من الأظهرة الدفاعية، خاصة عندما يستحوذ الفريق على الكرة ويلعب أمام فرق متكدسة دفاعياً، وهو أمر حصل في العديد من المباريات هذا الموسم.

الأمر له منافع هجومية جمة على برشلونة، فالفريق يتمكن من توسيع رقعة اللعب أكثر، وبالتالي يحصل على بعض المساحات الإضافية، كما أن ذلك يعاون ليونيل ميسي وفيليب كوتينيو على الدخول إلى العمق من أجل التصويب أو خلخلة دفاعات الخصم بكرات بينية خادعة في المسافات المكشوفة، كما يمكّن جوردي ألبا من التوغل نحو حافة منطقة الجزاء للقيام بعرضيات أرضية قاتلة مثل سمّ زُعاف.. لكن في النهاية، الأمر له آثار جانبية خاصة في الشق الدفاعي.

صحيح أن جزءاً من عمل سيرجيو بوسكيتس هو التغطية على الصعود المتكرر لألبا، وأن إيفان راكيتيتش كثيراً ما يُساعد سيرجي روبيرتو في مهامه الدفاعية، لكن برشلونة يعاني كثيراً أمام الفرق التي تملك لاعبين سريعين في الرواقين، خاصة أثناء المرتدات السريعة حينما تتواجد المساحات في ظهر اللاعبين.

في اعتقادي، الأمر يعود لطريقة انتشار لاعبي برشلونة على أرضية الميدان أكثر بكثير من جودة الأظهرة التي يمتلكها أو قدرتهم على القيام بالواجبات الدفاعية بشكل جيد.. صحيح، قد لا تكون المهام الدفاعية هي المفضلة للاعبين مثل جوردي ألبا أو سيرجي روبيرتو، لكن المشكل لا يكمن في ذلك بالدرجة الأولى.

فمنذ فترة ليست بالقليلة وفالفيردي يحاول إيجاد حل ناجح لمشكل الأروقة، سواءً ببدء الموسم بخطة 3/3/4 ثم التحول إلى 2/4/4 أو بإعطاء مهام دفاعية كبيرة لكل من راكتيتش وكوتينيو في الرواقين من أجل التغطية على انطلاقات الأظهرة، وهو أمر قلل أحياناً من الثغرات، لكنه لم ينهها، ولا يجب سوى أن نعود لمُباراة ريال بيتيس لنرى ما فعله جونيور فيربو بدفاع البلاوجرانا وكيف فتح شارعاً باسمه في الجهة اليسرى للفريق الأندلسي.

سوء إخراج الكرة من المناطق الخلفية:

أقرب مثال لتصوير المشهد في أذهانكم سيكون مباراة ريال بيتيس حينما لعب كيكي سيتين بخطوط متقدمة، فأجبر برشلونة على القيام بأخطاء كارثية أثناء التدرج بالكرة من الخلف إلى الأمام، خاصة وأن خط وسط النادي الكتالوني كان في أحلك أيامه، ناهيك عن المراقبة “رجل لرجل” التي فرضها لاعبو اللوس فاردي على عناصر البلاوجرانا حين تكون الكرة في حوزة تير شتيجن، وهو ما دفع الحارس الألماني وقلبي الدفاع للبحث عن الأروقة بشكل كبير، لكنهم سقطوا في فخ التمريرات الخاطئة وبالتالي بداية هجمة خطيرة للخصم.

الأمر تكرر في مباريات كثيرة، وأبرزها موقعة الأنويتا ضد ريال سوسيداد ثم مواجهتي جيرونا وأتلتيك بيلباو، ورغم أن وطأة سوء إخراج الكرة من الخلف تراجعت في آخر المباريات بعد أن قذف فالفيردي بالبرازيلي آرثر ميلو إلى التشكيلة الأساسية، إلا أن المعاناة لم تختفِ بعد، وكأن الأمر كان بمثابة الأسبرين، يخفف المرض لكنه لا يجتثه، لأن الفريق يفتقد لأوتاماتيزمات الخروج الصحيح بالكرة من المناطق الخلفية كلما واجه فريقاً يفرض ضغطاً مرتفعاً.

غياب الانسجام:

إن ألقينا نظرة على الرباعي الدفاعي الذي أقحمه برشلونة هذا الموسم، فسنجد أن الفريق أشرك جل التشكيلات الدفاعية الممكنة لأسباب قاهرة مثل الإصابات وعودة أومتيتي المتأخرة بسبب المونديال، أو لدواعٍ فنية من المدرب فالفيردي، فرأينا في بادئ الأمر بيكيه رفقة لينجليت وفيرمايلن مع وضع روبيرتو وألبا على الأطراف، ثم بدأت التغييرات تتوالى لنشاهد أومتيتي أساسياً قبل أن يُصاب، ثم نيلسون سيميدو كظهير أيمن، ثم قلب دفاع مكون من بيكيه ولينجليت مرة أخرى مع عودة روبيرتو إلى مركزه، وذلك لا يُمكن سوى أن يكون له وقع على الأداء الدفاعي للفريق.

من المعروف أن لاعبي الخط الخلفي يحتاجون لكثير من الانسجام من أجل التعامل مع مهاجمي الفريق الخصم وتدبير المهام بينهم، فقلبي الدفاع اللذين يقضيان فترة طويلة مع بعضهما البعض يعتمدان في كثير من الأحيان على الحدس الدفاعي الذي يجعلهما يتوقعان تمركز زميلهما دون الحاجة للنظر إليه، وكذلك تكون التحركات متناسقة بالإضافة إلى التغطية على أخطاء بعضهما البعض.

هذا الانسجام يغيب تماماً عن الفريق بسبب كثرة التغييرات والإصابات، فشاهدنا أخطاءً بالجملة في التحرك كخط واحد وهو ما يفتح مساحات أمام مُهاجمي الخصم ويقلل من خطر وقوعهم في مصيدة التسلل، ناهيك عن غياب الرقابة اللصيقة داخل منطقة الجزاء.. الحديث النظري جميل، لكني دائماً ما أفضل الحديث التطبيقي، ونظرة على هدف جيوفاني لو سيلسو أو المخضرم خواكين في المباراة الأخيرة ستجعلكم تفهمون جيداً الكلام الذي أوحي له.. دليل آخر؟ هدف ماورو إيكاردي وقبله هدف هاري كين في ويمبلي والأمثلة كثيرة ولا يمكن أن تعد على رؤوس الأصابع وحتى القدمين إن شئتم.

تراجع شراسة الضغط المتقدم:

تحدثتُ عن الأمر بإطناب في المقالات التحليلية التي كتبتها عن مباريات برشلونة، ولا شك في أن الكل صار يعرفه، فصحيح أن الفريق الكتالوني نجح في استعادة جزء مهم جداً من قوته في المواجهات التي تمكن فيها من تطبيق الضغط العالي وتحديد منطقة لافتكاك الكرات، إلا أن المعاناة الدفاعية تبدأ بمجرد تخاذل اللاعبين في القيام بتلك الخصلة (الضغط)، ما يجعل الكرات التي تصل لمنطقة الفريق تكثر بشكل ملحوظ وبالتالي يرتفع احتمال وقوع اللاعبين في الخطأ.. ولكم أن تتخيلوا جسامة المشكل الذي يتفاقم يوماً بعد يوم إذا عرفنا أن برشلونة لم يستعد أي كرة في نصف ملعب ريال بيتيس بالمباراة الأخيرة، بين الدقيقة 11 و53، وهي الدقائق التي شهدت سيطرة بالطول والعرض على مجريات اللقاء من الفريق الأندلسي.

يُمكن الحديث أيضاً عن التوازن الذي يغيب في كثير من الأحيان عن النادي الكتالوني، والذي يعاني الأمرين ما إن تتخطى الكرة سيرجيو بوسكيتس ويُصبح الخصم أمام خط دفاع أليف مكون من المتراجع جيرارد بيكيه، والحل الترقيعي سيرجي روبيرتو الضعيف في النواحي الدفاعية، والحقيقة أنني لا أجد أي مبررات منطقية لتفسير أسباب جلوس نيلسون سيميدو على مقاعد البدلاء، مع العلم أن مثانته الدفاعية أقوى بكثير من تلك التي يملكها اللاعب الإسباني.

يُمكنك أيضاً مشاهدة.. لينغليت عن ميسي:عليكم الإصغاء لأفضل لاعب في العالم