لا شك أن أتلتيكو مدريد الإسباني، كان يطمح في بداية الموسم الجاري لمحو الصورة الباهتة التي ظهر بها خلال الموسم المنصرم، حينما بلغ نصف نهائي دوري أبطال أوروبا واحتل المركز الثالث في ترتيب الدوري الإسباني لكرة القدم، إذ لم يكن الفريق راضياً تماماً عمّا حققه آنذاك خاصة أنه لم يكن منافساً حقيقياً على لقب الليجا، كما أنه سقط بشكل غير متوقع أمام ريال مدريد في نصف نهائي الكأس ذات الأذنين.. وبعدما وصلنا إلى نهاية الموسم، يبدو أن الروخي بلانكوس لم يلامس بعد سقف الأهداف المرجوة والمسطرة، إلا أنه نجح في معانقة الألقاب التي غابت عن خزائنه خلال السنوات القليلة الماضية.

أبرز نتائج أتلتيكو مدريد خلال موسم 2017\2018:

رغم عقوبة المنع من دخول سوق الانتقالات الصيفية الماضية، بسبب خرقه لقانون التعاقد مع اللاعبين القاصرين، إلا أن أتلتيكو مدريد دخل الموسم الحالي كأبرز فريق مرشح لمُنافسة ريال مدريد وبرشلونة على لقب الدوري الإسباني، لكن ما حققه الفريق من نتائج خلال مرحلة الذهاب جعلت الشكوك تحوم بشكل جدي حول إمكانية منافسته على لقب الليجا.. لكن تلك الشكوك سرعان ما اندثرت في مرحلة الإياب بعدما قدم فريق دييجو سيميوني أوراق اعتماده كخصم صعب المراس في البطولة المحلية، حيث كان قريباً في وقت من الأوقات، من تقليص الفارق مع برشلونة المتصدر إلى نقطة وحيدة، إلا أن خسارته في الكامب نو، حالت دون ذلك.

وبعيداً عن حسابات التتويج باللقب المحلي، فإن أتلتيكو مدريد نجح في اقتناص المركز الثاني على حساب ريال مدريد، الذي تراجع بشكل مخيف على الصعيد المحلي، الأمر الذي سيشكل دفعة معنوية قوية لرجال دييجو سيميوني من أجل المنافسة على اللقب في الموسم المقبل، شريطة أن تصحح الإدارة أخطاء الموسم الجاري، وأن تحافظ على جل الركائز الأساسية التي تشكل العمود الفقري في منظومة الفريق ككل.

أما أوروبياً، فإن أتلتيكو مدريد تُوج بلقب الدوري الأوروبي بعد انتصاره على مارسيليا في المباراة الختامية بثلاثة أهداف دون رد، ليعود الفريق لمنصات التتويج بعد غياب دام حوالي 6 سنوات، وهو ما يعد نجاحاً باهراً للوس كولتشينيروس خلال الموسم الحالي، بعد خيبة الخروج من دور المجموعات لمسابقة دوري أبطال أوروبا، عقب احتلالهم للمركز الثالث في المجموعة التي ضمت كلاً من تشيلسي الإنجليزي وروما الإيطالي.

ويعد الفوز على آرسنال في ملعب واندا ميتروبوليتانو، من أبرز نتائج أتلتيكو مدريد خلال الموسم الجاري، حيث تأهل بفضلها الفريق إلى نهائي اليوروباليج على حساب أحد الفرق المرشحة للتتويج باللقب الأوروبي، خاصة وأن رجال سيميوني عادوا من ملعب الإمارات بتعادل ثمين على الرغم من النقص العددي الذي طال صفوفهم منذ الدقيقة العاشرة من عمر المباراة.

ما لم يعجبنا في أتلتيكو مدريد خلال موسم 2017\2018:

يمكن القول إن موسم أتلتيكو مدريد كان ناجحاً، لا سيما وأن الفريق لم يحقق النتائج الإيجابية في الجولات الأولى من الليجا الإسبانية، ما جعله يخسر العديد من النقاط التي كانت ستسمح له بمقارعة البلاوجرانا إلى الجولة الأخيرة.. لكن هناك بعض الملاحظات على أداء الفريق المدريدي خلال الموسم الجاري، وهي كالآتي:

سوء التعامل مع الكرات الثابتة: لم يعد أتلتيكو مدريد كما كان في الكرات الهوائية، وهو أمر بات مؤكداً بعد أن تلقى الفريق أهدافاً كثيرة من العرضيات في هذا الموسم.. من وجهة نظري، أعتقد أن الأمر عائد إلى طريقة دفاع الفريق مقارنة بالسنوات الأخيرة، فرغم تراجع خطوط الفريق إلا أن أدوار مجموعة من اللاعبين تكون مرتبطة بتحركات لاعبي الخصم، ما يجعل اللاعبين داخل منطقة الجزاء أقل من قبل سنتين مثلاً أثناء الوضع الدفاعي، كما أن الخصوم باتوا قادرين على سحب مدافعي الأتلتي قبل الاستفادة من العرضيات، كما حصل في أهداف كثيرة، ولعل هدف ألكسندر لاكازيت في شباك يان أوبلاك على ملعب الإمارات، إلا خير دليل وأقرب مثال.

خيط رفيع بين الجبن والحذر الدفاعي: ربما شاهدنا هذا الموسم النسخة الأقل جرأة من أتلتيكو مدريد.. فريق دييجو سيميوني لعب في مباريات كثيرة دور المدافع الذي يبحث عن حماية مناطقه الخلفية قبل التفكير في الارتداد، وحتى حينما يحاول الارتداد فإنه يفشل في الوصول إلى مرمى المنافسين بالسرعة المطلوبة بسبب افتقاد النادي المدريدي للعمق الهجومي ( خاصة في النصف الأول من الموسم)، وهو ما أثر على الفريق ضد تشيلسي وروما في دوري أبطال أوروبا، وأيضاً أمام برشلونة في مرحلة الإياب، حين كان الروخي بلانكوس مطالباً بالفوز لتقليص الفارق مع المتصدر إلى نقطة وحيدة فقط، لكن دييجو سيميوني ارتدى ثوب الجبان وتراجع منذ الدقيقة الأولى لمناطقه الخلفية، دون أن يبدي أي رد فعل هجومي، ليخرج من المباراة خاسراً بهدف نظيف.

المدرب سيميوني .. هل يجب أن يستمر ومن سيعوضه في حال رحيله؟

كما يعرف الجميع، عانى فريق أتلتيكو مدريد من تذبذب كبير في المستوى خلال النصف الأول من الموسم، قبل أن ينجح في استعادة مستواه في النصف الثاني لينقض على المركز الثاني في مسابقة الليجا الإسبانية ويُتوج بلقب الدوري الأوروبي.. فريق صلب دفاعياً، بأفكار واضحة في وسط الميدان وباستقرار تكتيكي كبير، تلك هي سمات فريق سيميوني الذي واصل عمله الناجح واستحق الإشادة من الجميع.

ولا شك أن المدرب الأرجنتيني سعيد في القلعة المدريدية، نظراً لتوفره على كافة توابل النجاح، بالإضافة إلى تحكمه في غرفة الملابس بقبضة من حديد، ناهيك عن الثقة الكبيرة التي يحظى بها دييجو لدى إدارة الروخي بلانكوس.. هذه الأمور كلها تجعل التشولو جديراً بالاستمرار على رأس العارضة الفنية لنادي أتلتيكو مدريد، وما دام الفريق يسير على طريق التتويج بالألقاب تلو الأخرى، فإن خروج سيميوني سيكون مستبعداً في الوقت الآني.

أفضل وأسوأ لاعبي أتلتيكو مدريد خلال موسم 2017\2018:

موسماً بعد آخر، يقدم لنا دييجو سيميوني فريقاً لا يقهر من الناحية الدفاعية، حيث يستمد الفريق المدريدي قوته من صلابة خطه الخلفي، وقدرته على إشعار أعتى خطوط الهجوم في العالم بالضجر ثم استغلال سرعة هجماته للقضاء على خصومه.. ويوجد العديد من اللاعبين الذين يساهمون بالإيجاب في إنجاح أسلوب التشولو، كما أن هنالك لاعبين آخرين لا يقدمون الإضافة المنشودة:

الأفضل:

يان أوبلاك: لا شك أن المستوى الذي يقدمه الحارس السلوفيني حالياً يؤهله لاعتلاء صدارة حراس المرمى في أوروبا، على الأقل خلال الموسمين الماضيين.. أوبلاك اعتاد إنقاذ الأتليتي في الكثير من المباريات هذا الموسم ولا سيما على صعيد الدوري الأوروبي، فمن ينسى تعملقه ضد آرسنال في لقاء الذهاب.. ولعلّ أبرز دليل على أهميته في موسم أتليتكو مدريد، هو أنه تلقى 20 هدفاً فقط خلال 37 مباراة في الدوري الإسباني، ليقترب صاحب الـ24 عاماً من التتويج مرة أخرى بجائزة زامورا كأفضل حارس في الليجا، ليكون بذلك أحد أفضل لاعبي الروخي بلانكوس هذا الموسم عن جدارة واستحقاق.

أنطوان جريزمان: اللاعب الفرنسي لعب موسماً مذهلاً، إذ تألق وأمتع الجميع بأهدافه ومراوغاته الخيالية، ونجح في قيادة الفريق للتتويج بلقب اليوروباليج بعدما سجل هدفين في النهائي، إضافة إلى بصمته البارزة في الأدوار الإقصائية والتي لعب فيها دوراً محورياً وأحرز العديد من الأهداف التي لولاها لما أفلح الأتلتي في الوصول إلى نهائي ليون.

بلغة الأرقام.. سجل صاحب الـ27 عاماً 6 أهداف خلال 7 مباريات خاضها في الدوري الأوروبي، وبصم على 19 هدفاً في الدوري الإسباني من أصل 30 مواجهة، ناهيك عن امتلاكه هدفين في دور المجموعات لمسابقة دوري أبطال أوروبا.. هذه الأرقام كلها تؤكد لنا أن جريزمان كان أحد أفضل لاعبي الفريق المدريدي في الموسم الجاري.

الأسوأ:

نيكو جايتان: اللاعب الأرجنتيني كان من بين أسوأ اللاعبين في أتلتيكو مدريد هذا الموسم، إذ كان سيميوني يرى فيه لاعباً قادراً على إعطاء الفريق سرعة أكبر في التحول الهجومي واستغلال المساحات على الأطراف بشكل أكبر، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، لينتقل صاحب الـ30 عاماً إلى الدوري الصيني في يناير المنصرم بعد أدائه المخيب في النصف الأول من الموسم.

كيفن جاميرو: اللاعب الفرنسي خيب الآمال في أتلتيكو مدريد هذا الموسم، لذلك استحق أن يكون ضمن قائمة الأسوأ نظراً لمستواه الهجومي المتواضع وكذا أرقامه التهديفية الشحيحة.. فصاحب الـ31 عاماً 1540 دقيقة (31 مباراة) سجل خلالها 14 هدفاً فقط، الأمر الذي جعل دييجو سيميوني يحيله إلى مقاعد البدلاء في أغلب فترات الموسم.

الصفقات المطلوبة لتطوير أتلتيكو مدريد موسم 2018\2019 واللاعبون الذين يجب مغادرتهم:

لا يخفى على أحد أن أتلتيكو مدريد يعاني من العديد من الشوائب والسلبيات.. بقاء الركائز الأساسية ستكون خطوة إيجابية جداً وستمنح الفريق استقراراً كبيراً وشخصية عظيمة في المستقبل القريب، لكن مكامن النقص باتت واضحة والتعاقدات تبدو جلية نسبياً.. لذلك دعونا نقلي نظرة شاملة عن وضعية الفريق والتدعيمات التي سيحتاجها:

حراسة المرمى: إن ألقينا نظرة أولية على مركز حراسة المرمى، فإننا سنجد أن الفريق مكتمل تماماً في ذلك المركز مع تواجد يان أوبلاك الذي يُعد أحد أفضل حراس المرمى في أوروبا إن لم يكن أفضلهم فعلاً.. مواصلة الحارس السلوفيني مع الروخي بلانكوس تعني أن النادي المدريدي لن يحرك ساكناً في الميركاتو للتعاقد مع حارس جديد، إلا لو أراد دييجو سيميوني توفير بديل مناسب ليحل محل الأرجنتيني الشاب أكسيل فيرنر.

الخط الخلفي: بالنسبة للدفاع، نجد أن فريق سيميوني مكتمل تماماً بأسماء جيدة جداً تؤمن حاضر ومستقبل النادي.. اللوس كولتشونيروس يملكون كلاً من دييجو جودين، ستيفان سافيتش، خوسيه خيمينيز، خوانفران، سيمي فيرساليكو، لوكاس هيرنانديز وفيليبي لويس.. الأمر الذي يجعل الفريق بعيداً تماماً عن سوق المدافعين خلال الميركاتو الصيفي.

خط المنتصف: من الواضح أن خط وسط الميدان بات بحاجة لصفقة في المحور بعد تقدم جابي في السن (34 سنة).. الموسمان الأخيران عرفا تطوراً كبيراً في أدوار ساؤول نيجويز وكوكي التكتيكية داخل رقعة الميدان، فرغم مساندتهما اللا مشروطة لجابي في العمل الدفاعي، إلا أنهما باتا مهمين جداً في التحول الهجومي وباتا يحتاجان لمن يحمي ظهرهما من الهجمات المرتدة.

صحيح أن توماس بارتي يقوم بتلك الأدوار في بعض الأحيان، إلا أنني أرى أن الفريق المدريدي أصبح بحاجة للاعب ارتكاز صريح يلعب الدور الذي لعبه جابي في السنوات الأخيرة.. لاعب يقف أمام خط الدفاع ويمنح الأمان للمحاور الهجومية أثناء تقدمها للأمام.

خط الهجوم: في خط المقدمة، نجد أن أتلتيكو مدريد يعاني من قلة الحلول عبر الأروقة، ويبدو أن الفريق سيتحرك جدياً للتعاقد مع لاعب يمنح حلولاً إضافية للأرجنتيني دييجو سيميوني في الثلث الأخير من الملعب، ولا شك أن اللاعب المفضل للوس كولتشونيروس، هو أنخيل دي ماريا، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الرحيل عن باريس سان جيرمان الفرنسي.

ومع إصرار أنطوان جريزمان، على الانتقال إلى نادي برشلونة في الانتقالات الصيفية المقبلة، فقد بات لزاماً على أتلتيكو مدريد، التعاقد مع خليفة للنجم الفرنسي، خاصة مع رغبة دييجو سيميوني في تقوية الفريق للمنافسة بقوة على الألقاب في المستقبل القريب.. ويعد باولو ديبالا، لاعب يوفنتوس الإيطالي، من أبرز المرشحين لارتداء قميص الفريق الإسباني خلال الموسم المقبل، نظراً لقدرته على اللعب في جميع مراكز الهجوم.

وعلى الرغم من تواجد دييجو كوستا في مركز رأس الحربة، إلا أن التعاقد مع مهاجم آخر سيكون هدفاً محورياً في أتلتيكو مدريد، وذلك من أجل رفع جودة الفريق داخل منطقة جزاء المنافسين، خاصة مع رحيل فرناندو توريس المرتقب في نهاية الموسم الحالي، إضافة إلى أن كيفين جاميرو لم يكن عند مستوى التطلعات، وسيكون رحيله هذا الصيف، مسألة وقت ليس إلا.