محمد صلاح

منذ أن لعب لبازل السويسري والنجم محمد صلاح يستقطب الأنظار ، هزم تشلسي بهدفين تاريخيّن في الأبطال لينتقل بعدها لتشلسي نفسه وكل ذلك بقيادة جوزيه مورينيو . عانى ما عانه تحت قيادة البرتغالي قبل أن ينتقل لفيورنتينا ويقدم أداء كبيراً جعل مشجعي الفيولا يعتبرونه خائناً عندما قرر الانتقال إلى روما . وبعد عامين مع ذئاب العاصمة انتقل إلى ليفربول بمبلغ اعتبر كبيراً جداً، لكن بعد فترة اعتبر زهيداً للغاية مقارنة بما يقدمه الفرعون المصري الذي أصبح أيقونة لنادي ليفربول بعد أن بات كبير الهدافين بـ 37 هدفاً في جميع المسابقات لينافس النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو على لقب الحذاء الذهبي لأفضل لاعب في أوروبا ويبدأ الحديث عن صعوده بقوة واقترابه من ليونيل ميسي أفضل لاعب في العالم من حيث المستوى .

على مصر أن تشكر ابنها محمد صلاح ..لا للمستوى الذي يقدمه فهو يمتلك الكثير بعد إن حافظ على استمراريته وعرف كيفية التعامل مع الضغوط الذهنية الكبيرة التي يتوقع أن تواجهه،ولا لمساهماته الخيرية التي تغير مصير الكثيرين في وطنه وحسب . بل لأن هذا الأداء قدمه ويقدمه سلط الضوء على مصر كمنبع للاعبين المميزين القادرين على تقديم الإضافة في الملاعب الأوروبية وغير الأوروبية والذين يشكلون فرصة استثمارية كبيرة معتدلة التكاليف التي يمكن أن تتحول إلى كنز في فترة زمنية قصيرة.

صلاح قدم نموذجاً للاعب المصري الملتزم والقادر على العمل في أصعب البيئات الكروية . واستمراريته في الاداء مابين إيطاليا التكتيكية وإنجلترا القوية والبدنية غيّرت الصورة النمطية عن اللاعب المصري المحترف من عدم القدرة على الاستمرارية في تقديم الأداء الاحترافي المناسب نتيجة قلة الالتزام وعدم القدرة على التأقلم في بيئة خارج مصر. وبناء على نموذج صلاح تشجع عدد من أندية أوروبا وآسيا للاستثمار بلاعبين مصريين الذين انتشروا كثيراً تحديداً في المملكة العربية السعودية والخليج العربي آسيوياً وفي انجلترا أوروبياً. وقد ساعد نجاح بعض التجارب التالية لصلاح كتجربة محمد النيني مع أرسنال وأحمد حجازي مع ويست بروميتش و محمود كهربا في الاتحاد في ترسيخ هذه الصورة الجديدة للاعب المصري الواعد. واليوم نحن نرى في تشكيلة منتخب مصر المستدعاة للقاء البرتغال سبعة عشر محترفاً في دوريات خارج مصر وهو الرقم الأكبر في تاريخ المنتخب الوطني حتى اللحظة.

انطلاقة اللاعبين المصريين نحو الخارج مكنتهم من اكتساب قوة ذهنية تتزايد باستمرار وهو ما سمح لهم بأن يكونوا حاضرين تماماً في اللحظات الحاسمة. ويعتبر تأهلهم أمام الكونغو بهدف صلاح المتأخر عبر ضربة جزاء مثالاً للقوة الذهنية المتطورة لدى الفريق . فبعد تعادل متأخر مؤلم تمكنوا من لملمة جراحهم والحصول على ركلة جزاء ترجمها بكل اقتدار النجم المصري محمد صلاح في دلالة واضحة على قوة الشخصية التي بات يمتلكها مع زملائه وهو ما يعد تطوراً واضحاً عن نهائي كأس إفريقيا الذي خسروه نتيجة لضعف التركيز أمام الكاميرون . هذه القوة الذهنية هي التي كانت تنقص الجيل الذهبي أيام أبو تريكة والذي فشل في التأهل لكأس العالم 2010 بعد المباراة الشهيرة أمام الجزائر بسبب ضعف الذهنية وليس الإمكانات الفنية التي ربما كانت الأعلى منذ زمن طويل.

اتساع رقعة اللاعبين المصريين في الخارج مكنت المدرب الأرجنتيني هكتور كوبر من خلق انضباط تكتيكي كبير داخل الملعب وهو ما سمح له بأن يطبق أفكاره في تمتين الدفاع والانطلاق للأمام بالمرتدات السريعة . هذه الأفكار التي لم تلق شعبية لدى الجمهور المصري العاشق للأداء الجميل من الصعب تطبيقها لو لم يمتلك اللاعب المصري ثقافة كروية عالية تسمح له بالتحرك تماماً كما يرغب المدرب . ثقافة لم تأت إلا من خلال العمل في بيئات الانضباط التكتيكي أحد أسسها ، وهذا الانضباط هو كلمة السر الحقيقية لتحقيق الانجاز في بطولة ككأس العالم التي لا مكان فيها للعشوائية على الإطلاق.

تأثير تألق صلاح على الكرة المصرية لم يقتصر على الخارج والمنتخب الوطني فحسب … بل امتد إلى الداخل حيث تحركت السوق الداخلية المصرية بشكل كبير بفضل ارتفاع القوة الشرائية لأندية الداخل بفضل تحول الأندية المصرية إلى مصدر للاعبين ، فازدادت السيولة وبدأنا نسمع بأرقام تصل إلى أربعين مليون جنيه مصري كما في قصة عبد الله السعيد والزمالك ، والأمر بطبيعة الحال مرشح للتصاعد في حال استمر تألق اللاعب المصري في الخارج.

صلاح لم يقدم لبلاده لاعباً على أعلى مستوى حسب …صلاح قدم لزملائه ورفاقه مفهوماً جديداً للاعب المصري القادر على الاستمرار في أعلى المستويات وهو ما شجع زملاءه على السير على خطاه وأيضاً فتح أعين كبار كرة القدم على مصر كدولة غنية بالمواهب مما غير وجه اللعبة بأكملها . الآفاق الكبيرة التي فتحها صلاح للكرة المصرية ستكون الإنجاز الأبرز لهذا اللاعب مهما حصد من ألقاب فردية أو جماعية، والمهم أن يستمر هو وزملاءه بالتأقلم مع البيئات الإحترافية العالية. وهذا الكلام إن استمر فسيعني تغيراً شاملاً في مستقبل الكرة المصرية على المدى الطويل .