أعزائي قراء موقع سبورت360 اليوم سأخلع عباءة المختص بشؤون الفورمولا 1 و سأشارككم تجربة حضور سباق المجر ليس كمحلل وإنما كمشجع عاشق للرياضة عسى أن أعطي صورة حقيقية عن عيش التجربة بكافة زواياها وسماع أصوات سيارات الفورمولا 1 عن قرب.

ابتدأت رحلتي فعليا يوم السبت عندما وصلت إلى مدينة بودابست الرائعة. تتميز حلبة هنغارورينغ بأنها إحدى الحلبات القلائل التي تبعد مسافة صغيرة عن مركز المدينة ، 20 كلم فقط تفصل الحلبة عن مدينة بودابست. بالنتيجة من الطبيعي أن يستمتع المرء ببضعة أيام من السياحة في المدينة الخلابة المطلة على نهر الدانوب وبودابست لم تخيب الظن.

معالم جميلة جدا وخصوصا منطقة القلعة المتواجدة على قمة التل أما النزهات الليلية على طرف النهر فهي متعة للعين والحواس لا مثيل لها. تمتاز المدينة أيضا بأنها رخيصة نسبيا مقارنة مع عواصم أوروبية أخرى أما الطعام المحلي فهو لذيذ و يشبه إلى حد ما الطعام الشرقي بحكم التأثير العثماني على المدينة ولكن التأثير العثماني الأهم يكمن بتواجد حمامات تشبه كثيرا الحمامات الشرقية المتواجدة في تركيا ودول عربية.

1

حسنا فليبتدئ الجد! اليوم الأحد الثلاثين من تموز يوليو. بدأت مسيرتي في الصباح الباكر بأخذ المترو في المحطة بالقرب من الفندق ولاحظت عدد لا بأس به من رواد السباق ينتظرون قطار الأنفاق معي. معرفتهم أمر سهل وذلك بسبب ارتداءهم لقبعات وملابس فرق الفورمولا 1 المفضلة لهم. وصل القطار وفوجئت بامتلاءه بالمشجعين وفوجئت أكثر وأكثر في كل محطة توقفنا فيها مع جحافل المشجعين الصاعدة مع بضع مشاركين ومشجعين في بطولة العالم للسباحة التي صدف بأن تقام في بودابست بنفس الوقت إلى أن امتلأ القطار عن بكرة أبيه فعلا.

نزلنا جميعا في محطة الباصات لنستقل الباصات المجانية التي تقلنا إلى الحلبة. الأمور كانت منظمة بمرور باص كل دقيقتين تقريبا. ركبت في الباص وبعد رحلة استغرقت حوالي 20 دقيقة نزلنا في القرية على مشارف الحلبة. لن أخفي عنكم  بأن الشرطة استوقفتني أنا ربما عربي المظهر الوحيد من النازلين من الباص (يا محاسن الصدف!) واستجوبتني ببعض الأسئلة وتحققت من أوراقي الثبوتية وإقامتي وبطاقة السباق قبل أن يتركوني أذهب بسلام! لأتجه بعدها مشيا إلى الحلبة والتي كانت على مسافة لا بأس بها.

ولكن المشي باتجاه الحلبة ليس بالأمر السيء إطلاقا فمع الاقتراب إلى الحلبة بدأت بسماع أصوات السيارات وهي تزأر من بعيد. إنها سيارات الGP3 الحدث الأول المرافق لسباق الفورمولا 1. دخلت إلى الحلبة من الباب الرئيسي الواقع عند نهاية خط البداية النهاية وبدأت بالاتجاه إلى المنطقة المخصصة لفئة بطاقتي وهي فئة الدخول الحر (الفئات الكاملة هي ذهبية, فضية, برونزية و دخول حر)

ولكن قبل الوصول دخلت إلى منطقة المشجعين أو ما يعرف بالفان زون. هي عبارة عن قرية فعاليات ممتعة: من مراكز شراء اكسسوارات وثياب الفرق إلى مسرح مع فرق موسيقية وعروض بهلوانية مرورا بالعديد من الألعاب والتحديات مثل تحدي وقفة الصيانة حيث يتبارى عدة فرق مكونة من ثلاثة أشخاص على فك وتركيب عجلة سيارة مشابهة للفورمولا 1 والفريق الأول بالترتيب الكلي يفوز بجوائز قيمة. وتحدي ردة الفعل وهو حائط مليء بالأضواء التي تنار بشكل عشوائي وعلى المشارك أن يقفز أو ينزل إلى مكان الضوء بأسرع وقت ممكن. هذا التحدي يشبه التدريب الحقيقي الذي يقوم به السائقون تحضيرا للسباقات.

2

قررت أن أجرب حظي في محاكي السباقات وهو مقعد ومقود مطابق للوضعية الحقيقية لسيارة فورمولا 1 أما على الشاشة يقوم اللاعب بلعب جولة من لعبة الفورمولا 1 المتوافرة على الحاسب أو البلاي ستيشن. أعترف وأقول بأنني فشلت فشلا ذريعا !

بشكل عام حضور السباق لا يقتصر فقط على السباق نفسه بل هو تجربة متكاملة من المرح وهو ما تحاول أن تصبو أليه شركة ليبرتي ميديا المالك الجديد للفورمولا 1.

3

بعد التوقف في الفان زون بدأت بالاتجاه إلى المكان الذي قررت متابعة السباق منه عند المنعطف الأخير مقابل مدخل خط الحظائر وهذا المنعطف يؤدي إلى خط البداية النهاية. بشكل عام مشاهدة سباق على حلبة هنغارورينغ أمر رائع وذلك لأن الحلبة بنيت في منخفض طبيعي أي بما يشبه القدر الكبير حيث تتواجد السيارات في نقطة منخفضة أما أماكن جلوس المشجعين فهي على مرتفع مما يسمح أي مشاهد من كشف قصم كبير من الحلبة والتمتع بمشاهدة السيارات لوقت كبير.

من نقطة جلوسي كان بإمكاني كشف كامل الحلبة ابتداءا من المنعطف رقم 11 والخط المستقيم القصير ومن ثم المنعطف رقم 12 و 13 ومن ثم 14 المؤدي إلى خط البداية النهاية. أيضا كان باستطاعتي مشاهدة خط الصيانة من بعيد ومشاهدة السيارات والفرق في وقفة الصيانة. المشهد كان مذهلا حتى من بعد. ولجعل الأمور أفضل كان هناك شاشة الكترونية مقابلي تماما لمشاهدة ما يحصل على كافة أرجاء الحلبة.الأمر السلبي الوحيد ربما كان درجة الحرارة المرتفعة.

4

اخترت مكانا جيدا بين حشد المتابعين. مددت البطانية التي كانت بحوزتي وأخذت مكاني على المرج الأخضر. تلا ذلك سباق الفورمولا 2 والذي فاز به  السائق نابوهارو ماتسوشيتا ومن ثم انطلق سباق بورشيه سوبر كاب و فاز به السائق مايكل امرمولر.

بعد برهة من الزمن ابتدأت فعاليات الفورمولا 1 بخروج السائقين بلفة الاستعراض أو ما يعرف بالdrivers parade حيث يكون السائقين على متن شاحنة كبيرة تجوب الحلبة ليلوح السائقين للجمهور ويتفاعلوا معهم.

المشجعون كانو فاكهة الحدث وروحه الجميلة. من الجدير بالذكر  تواجد عدد كبير من المشجعين الفنلنديين محبي كيمي رايكونين والهولنديين عشاق ماكس فيرشتابين. ولم يبخل الاثنان علينا بالتنافس الطريف في هتافات التشجيع. أمر آخر رسم الابتسامة على وجهي ألا وهو الروح الرياضية للمشجعين فقد كان المشجعون يقومون بالصفيق في كل مرة خرج سائقا سليما من حادث ما دون أذى او عند حدوث تجاوز مثير

5

بعد نصف ساعة تقريبا فتح خط الحظائر للساقين أي أن السائق بإمكانه القيام بلفات استطلاعية قبل اصطفافه على خط الانطلاق. بعد الانتهاء من اللفات الاستطلاعية واصطفاف جميع السائقين على خط الانطلاق وإجراء آخر التعديلات على السيارات عزف النشيد الوطني الهنغاري ومن ثم في تمام الساعة الثانية ظهرا ابتدأت لفة التحمية ومن ثم السباق.

لن أود أن أدخل في تفاصيل السباق فأنتم تعرفونها جيدا أعزائي فقد انتهى السباق بفوز فيتيل مع حلول كلا من كيمي رايكونين وفالتيري بوتاس في المركز الثاني والثالث تباعا وجميعنا شاهد كيف سمح بوتاس لهاملتون بتجاوزه بمحاولة لمرسيدس للحاق بالفيراري لبتوء المحولة بالفشل ويعيد هاملتون مركزه لصالح بوتاس في اللفة الأخيرة. الأمر الذي حصل على مقربة مني ونال تصفيق الجمهور (بعد صفارات الاتسهجان عندما تجاوز هاملتون بوتاس)

في الحلبة وأثناء السباق الشعور رائع ومختلف جدا. صوت السيارات وحده يقشعر له الأبدان ولكني سأعترف بأنني أفضل صوت السيارات في الحقبة ما قبل المحركات الهجينة الحالية لكن الإحساس يبقى رائعا. أيضا الفواصل بين السيارات التي نشاهدها على التلفاز كأرقام تتحول إلى واقع في الحلبة وبإمكانك أن تشاهد الفواصل تزداد أو تنقص بشكل مباشر.

ولكن الأهم من هذا كله هي التجربة الرائعة التي لا يمكن أن يكون لها مثيل: الطريق إلى الحلبة وأصوات السيارات من بعيد, فعاليات الفان زون وحفلات الموسيقى, المشجعون اللطفاء, مشاهدة السيارات في وقفات الصيانة, سماع صوت السيارات والأهم من هذا كله مشاهدة السائقون الأبطال يروضون الوحوش المسماة بالسيارات ويتجاوزون ويتنافسون من أجل المجد.

انتهى السباق وبعد مشاهدة احتفالات منصة التتويج من بعيد عدت أدراجي وخرجت من الحلبة إلى منطقة الباصات لأعود إلى المدينة. في طريق العودة فكرت بكم أنا محظوظ لأحظى بفرصة مشاهدة سباق فورمولا واحد والكتابة عنها لكم. كم أنا محظوظ لمشاهدة السيارات والأبطال السائقون. كم أنا محظوظ للتعرف على مشجعين يحبون الرياضة مثلي.  ولكني أعلم بأن ليس الجميع في عالمنا العربي محظوظ مثلي لذلك أحببت بأن أشارككم بهذا المقال.

عدت في النهاية إلى الفندق واستلقيت على فراشي لآخذ قيلولة بعد هذا اليوم الطويل وروحي مليئة بالذكريات. أغمضت عيني وأنا أحلم بالنصف الثاني المثير الذي ينتظرنا بعد العطلة الصيفية فمن سيفوز باللقب الأغلى؟ بغض النظر تبقى الفورمولا واحد الرياضة التي نحب ونعشق

نراكم بعد العطلة الصيفية في بلجيكا!

6

تابع الكاتب على الفيسبوك : مقالات الفورمولا واحد مع ماهر أجمان